قبل الحديث عن تدمير آل سعود للآثار الاسلامية لا بد أن نتناول أصول المذهب الوهابي وخلفيته الفكرية والعقدية و التاريخية ثم نمر بعد ذلك نتناول تدميرهم للآثار الاسلامية لننصفهم و لا نتعسف عليهم بالنقد البناء المبني على الأدلة والشواهد الموضوعية لأننا في التقدمية آلينا على أنفسنا أن لا نقدم سوى الحقيقة الموثقة لجماهير الأمة العربية و الاسلامية التي كثيرا ما تقع تحت تأثير اعلام ضال و مأجور فنحن ملتزمون بقواعد أخلاقية ونضالية وعلمية لا نحيد عنها أبدا و لا نسعى للكسب المادي الرخيص بقدر ما نحرص على الحقيقة وكل الحقيقة لجماهير أمتنا التي تستحق أن نكرمها من خلال اعلام نزيه و بناء قصد بناء انسان عربي مسلم حر وكريم ويعتز بعروبته ودينه من أجل مستقبل واعد لهذه الأمة التي عانت كثيرا وبناء عليه نشرع في توضيح كل الحقيقة ولا سواها .
السلفية والوهابية :
تستند الوهابية نظريا الى الفكر السلفي لأحمد بن حنبل وابن تيمية حيث ظهر هذان الرجلان في ظروف تاريخية جعلتهما يتوقان الى الرجوع الى ما كان عليه السلف الصالح ولكن لكل منهما ظروف خاصة أحاطت به حتى كان على ذلك الشكل ومن ذلك أن الامام أحمد بن حنبل بالرغم من وجوده في ذروة ازدهار الحضارة الاسلامية وفي العصر الذهبي للدولة العباسية ويعتبر مذهب ابن حنبل من أكثر المذاهب السنية محافظة على النصوص وابتعاداً عن الرأي. لذا تمسّك بالنص القرآني ثم بالبيّنة ثم بإجماع الصحابة، ولم يقبل بالقياس إلا في حالات نادرة.
محنته
اعتقد المأمون برأي المعتزلة في مسألة خلق القرآن، وطلب من ولاته في الأمصار عزل القضاة الذين لا يقولون برأيهم.
وقد رأى أحمد بن حنبل ان رأي المعتزلة يحوِّل الله سبحانه وتعالى إلى فكرة مجرّدة لا يمكن تعقُّلُها فدافع ابن حنبل عن الذات الإلهية ورفض قبول رأي المعتزلة، فيما أكثر العلماء والأئمة أظهروا قبولهم برأي المعتزلة خوفاً من المأمون وولاته.
وألقي القبض على الإمام ابن حنبل ليؤخذ إلى الخليفة المأمون. وطلب الإمام من الله أن لا يلقاه ، لأنّ المأمون توعّد بقتل الإمام أحمد. وفي طريقه إليه، وصل خبر وفاة المأمون، فتم ردّ الإمام أحمد إلى بغداد وحُبس ووَلِيَ الخلافة المعتصم، الذي امتحن الإمام، وتمّ تعرضه للضرب بين يديه.
وقد ظل الإمام محبوساً طيلة ثمانية وعشرين شهراً . ولما تولى الخلافة الواثق، وهو أبو جعفر هارون بن المعتصم، أمر الإمام أن يختفي، فاختفى إلى أن توفّي الواثق .
وحين وصل المتوكّل ابن الواثق إلى السلطة، خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقاد بخلق القرآن، ونهى عن الجدل في ذلك. وأكرم المتوكل الإمام أحمد ابن حنبل، وأرسل إليه العطايا، ولكنّ الإمام رفض قبول عطايا الخليفة.
وفاته
توفي الإمام يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين ومائتين للهجرة ، وله من العمر سبع وسبعون سنة. وقد اجتمع الناس يوم جنازته حتى ملأوا الشوارع وقيل ان جنازته كانت تاريخية وغير مسبوقة فهي أشبه بتظاهرة جماهيرية لمناهضة السلطة الرسمية للمعتزلة فبالرغم من عقلانيتهم ولكن عندما يفرضون رؤيتهم بالقوة فان الجماهير تنفر منهم وكذلك تفعل في كل وقت فالمفروض أن التعسف لا يكون حتى ولو كانت أفكارك بناءة وعقلانية المفروض أن تقنع بها الآخرين وهكذا يكون أحمد بن حنبل قد دشن توجها جديدا في الفكر الاسلامي الذي كان تنوعا وعقلانيا الى حد ما فاذا به متمسكا بحرفية النص ولا يكاد يخرج عليه وكان هذا التوجه بمباركة جماهيرية نكاية في ظلم السلطة القائمة التي اتخذت الفكر الاعتزالي مبررا للتنكيل بالناس الذين يعارضونها وكان ذلك على اثر انتصار المأمون وأمه فارسية على الأمين و أمه عربية وهي زبيدة فكيف للمأمون أن يقنع العرب بشرعية حركته فانه لم يستغل شذوذ الأمين المشهور به فانه عمد الى أفضل الأفكار التقدمية في ذلك الوقت أي الفكر الاعتزالي وفرضه على الناس بالقوة بحيث ان الاستبداد يقود دائما الى نتائج عكسية.
أحمد بن تيمية
فأما السلفية فهي حركة ظهرت في أواخر القرن السابع الهجري على يد أحمد بن تيمية كرد فعل على الإصلاحات العقلية التي أدخلها الإمام الأشعري على عقائد أهل الحديث ، واعتبر ابن تيمية ، والذي كان من فقهاء الحنابلة أن تلك الإصلاحات خروجا " عن السنة ، فعمل على إحياء عقائد أهل الحديث مستنكرا التأويلات التي قدمها الأشاعرة للأحاديث التي أخذت منها تلك العقائد .
وأطلق ابن تيمية على طريقته عنوان ( منهاج السلف الصالح ) ، فعرفت دعوته بالسلفية لأنه كان يدعو إلى العودة إلى سيرة السلف الصالح والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والتي - على رأيه - حاد عنها الأشاعرة والفرق الأخرى ، ولم يقف عند هذا الحد ، بل عمل على إظهار عقائد جديدة لم يناد بها ابن حنبل ولا أحد قبله ، كقوله بأن السفرلزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والاحتفال بمولده الشريف والتبرك بآثاره والتوسل به وبأهل بيته وزيارة القبور بدعا " وشركا " ومخالفة لعقيدة التوحيد ، وأنكر كثيرا " من الفضائل الواردة في أهل البيت عليه السلام المروية في الصحاح والمسانيد
وبسبب هذه التعديلات والإضافات ، فقد عد ابن تيمية عند أتباعه مجددا " عظيما " ولقبوه بشيخ الإسلام . ولكن دعوته على مستوى الأمة لم تلاق القبول وبقيت محصورة في مناطق محدودة من الشام ومصر ، وقد تصدى للرد عليه فقهاء ومحققو أهل السنة والفرق الأخرى ، وسجن في مصر لسنة ونصف لإدانته بالتجسيم والتشبيه ، ثم سجن ثانية في دمشق حيث أدركته المنية هناك عام 728 هجرية . وما لبثت دعوته أن خبت وضعفت بعد حقبة قصيرة من الزمن .
الوهابية
وأما الوهابية ، فهي حركة ظهرت في القرن الثاني عشر الهجري على يد محمد بن عبد الوهاب ( 1115 - 1206 هجرية ) ، وعملت على إحياء ونشر الفكر السلفي لابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية في الجزيرة العربية، والذي تسرب لاحقا " إلى بلاد إسلامية أخرى وبقطع النظر عن التهم الموجهةالى محمد بن عبد الوهاب من كونه يهوديا في الأصل فان العبرة بنتائج هذا الفكر الآن وما يتحقق على أرض الواقع من حماية للدين الاسلامي و تحقيق للشورى الحقيقية التي أمر الله بها في القرآن وحماية لبلاد المسلمين الأخرى و تقديم العون الحقيقي لهم وعدم الاستنجاد بالأجنبي لتدمير الأجوار الخ من الأعمال التي تقع تحت سمع و بصر شيوخ الوهابية ويتغاضون عنها ويدافعون عن الحكام دفاعا مستميتا يتناقض وأسس الاسلام الأساسية فكيف كان يتصرف مؤسس هذا الطرح الفكري
وكان ابن عبد الوهاب أكثر حدة وتعصبا " من ابن تيمية ، حيث قام بتكفير عامة المسلمين ممن ليسوا على طريقته ، بدعوى الشرك وعدم إخلاص التوحيد لله ، ودعا إلى إزالة ما يرونه بدعا " بقوة السيف .
ومن ذلك تهديمهم لآثار أهل البيت النبوي في مكة والمدينة . وقامت قبيلة آل سعود باستغلال هذا الفكر المتطرف فأعلنوا اعتناقهم لمذهب السلفية ، وشكلوا تحالفا " مع حركة ابن عبدالوهاب مما ساعدهم على احتلال معظم أجزاء الجزيرة العربية ، والتي أنشأوا فيها لاحقا " وبالتعاون مع بريطانيا ما يعرف اليوم باسم المملكة العربيةالسعودية .
وبعد أن كانت هذه الحركة محصورة في بدايتها ضمن نطاق الجزيرة العربية ، إلا أنها أصبحت اليوم وبفضل إمكانيات الدولة السعودية تتمتع بامتدادات واسعة في مناطق عديدة من العالم الإسلامي .
وبالرغم من أن الوهابيين يطرحون حركتهم كحركة إصلاحية ، إلا أن علماء المسلمين من أهل السنة قبل غيرهم قد تصدوا للرد على ابن عبد الوهاب وتفنيد عقائده وأفكاره ومن ضمنهم أخيه سليمان بن عبد الوهاب في كتابه ( الصواعق الإلهية ) .
وفيما يلي نذكر عينات من أفكار شيخ الإسلام ابن تيمية وأقواله التي تعد الركن الأساس في فهم العقائد الإسلامية وطرحها على الطريقة السلفية والوهابية :
ففي مجموعة رسائله ( الحموية ) في العقيدة يقول ابن تيمية : أن جميع النصوص تدل على أن الله فوق العرش في أعلى السماء ، وأنه يمكن الإشارة إلى جهته بالأصابع ، وأنه يرى يوم القيامة ، وأن الله يضحك ، وإذا أنكر أحد
وجود الله على العرش في أعالي السماوات وجب حمله على التوبة ، وإذا لم يتب وجب ضرب عنقه ،
ويقول أيضا " : أن التأويلات التي وردت بهذا الشأن مثل تأويل الآية ( الرحمن على العرش استوى ) [ طه / 5 ] بمعنى استولى ، هو تأويل باطل .
وبالرغم أن ابن تيمية طعن بمن يقولون بالتجسيم صراحة ، وضعف الأحاديث التي يستندون عليها ، إلا أنه يؤكد أن لله جوارح كاليد والعين والوجه والأصابع والرجل ولكن ليس كجوارح المخلوقات ( 1 ) .
وأما فيما يتعلق بمواقفه من أهل البيت عليه السلام وأعدائهم الأمويين ، فإنه يقول في ذكره لحروب الإمام علي عليه السلام : ( وعلي ( رض ) لم يكن قتاله يوم الجمل وصفين بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما كان رأيا " له ، وهو الذي ابتدأ أهل صفين بالقتال ، وعلي إنما قاتل الناس على طاعته ، لا على طاعة الله ) . ويضيف قائلا " : ( فمن قدح في معاوية بأنه كان باغيا " ، قال له النواصب : وعلي أيضا " كان باغيا " ظالما " قاتل المسلمين على إمارته وصال عليهم . فمن قتل النفوس على طاعته كان مريدا " للعلو في الأرض والفساد ، وهذا حال فرعون ، وليس هذا كقتال أبي بكر الصديق للمرتدين ومانعي الزكاة ، فالصديق إنما قاتلهم على طاعة الله ورسوله ، لا على طاعته ، فإن الزكاة فرض فقاتلهم على الإقرار بها ، بخلاف من قاتل ليطاع هو ) ( 2 ) .
وأما في معاوية ابن أبي سفيان، فإنه يقول :( فلم يكن ملك من ملوك المسلمين خير من معاوية ، ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيرا " منهم في زمن معاوية ) ، ثم ذكر روايتين الأولى تصف معاوية أنه فقيه ، والثانية على لسان أبي الدرداء بقوله : ما رأيت أحدا " أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من إمامكم هذا ، يعني معاوية ( 3 )
وانطلاقا مما سبق فان آل سعود عند قيامهم بامور السلطة في المملكة فانهم انسجاما مع مذهبهم السلفي المحافظ فانهم لا يقدسون المباني ولا يعتبرون لها اي قيمة عقائدية او تاريخية او حضارية او فنية بل انهم عمدوا الى تدمير الكثير منها حتى لا تكون مواقع من شانها ان تؤدي الى الشرك ولكن الحقيقة انهم لم يكتفوا بتدمير المباني المادية وما تحمله من رموز تاريخية وحضارية وقيمية لكل المسلمين بل انهم دمروا اكثر من ذلك انهم أقدموا على تدمير المنهج العقلاني في الاسلام الذي سار عليه الرسول وصحابته ومن تبعهم باحسان واكتفوا بالمنهج النصوصي معتبرين ان لاعلم الا فيه وانه يجب السير بالمسلمين على مقتضى ما كان سائدا في القرن الثالث للهجرة حيث كان ابن حنبل الاساس الفكري لمعتقدهم حيث ان ظروفه التاريخية فرضت عليه ذلك المنهج فهل يعقل ان نسير المسلمين اليوم نتيجة لظروف شخص واحد منذ احد عشر قرنا مضت او تزيد وعليه استبعدوا كل منهج عقلي ورموه بالضلالة والكفر ورفضوه رفضا مطلقا فلا نستغرب منهم ما فعلوه لاحقا باسم الدين ان المنهج اللاعقلاني والنصوصي هو الذي ابعدهم عن جادة الصواب فندعو لهم بالهداية من الله لعلهم يستفيقون من الغفوة التي هم فيها ويعلنون عن التعامل العقلي مع هذه الدين خاتم الديانات والذي ظهر للبشرية في فترة النضج العقلي للبشرية وفي اطار واقعية الاديارن ومسارها الجدلي في التعامل مع الواقع البشري لابد ان يصار الى ذلك المنهج العقلاني واستبعاد المنهج النصوصي الا في الضروري و المناسب من الاحكام دون ان نجعله قيدا على حرياتنا التي جاء الاسلام اساسا لتحقيقه
( 1 ) العقيدة الحموية الكبري لابن تيمية
(2) صائب عبد الحميد ، ابن تيمية : حياته : وعقائده ، ص 322 ، نقلا " عن منهاج السنة
(3)ابن تيمية ، منهاج السنة ، ج 6 ص 222 ، 235 . ( * )
الناصر خشيني نابل تونس
السلفية والوهابية :
تستند الوهابية نظريا الى الفكر السلفي لأحمد بن حنبل وابن تيمية حيث ظهر هذان الرجلان في ظروف تاريخية جعلتهما يتوقان الى الرجوع الى ما كان عليه السلف الصالح ولكن لكل منهما ظروف خاصة أحاطت به حتى كان على ذلك الشكل ومن ذلك أن الامام أحمد بن حنبل بالرغم من وجوده في ذروة ازدهار الحضارة الاسلامية وفي العصر الذهبي للدولة العباسية ويعتبر مذهب ابن حنبل من أكثر المذاهب السنية محافظة على النصوص وابتعاداً عن الرأي. لذا تمسّك بالنص القرآني ثم بالبيّنة ثم بإجماع الصحابة، ولم يقبل بالقياس إلا في حالات نادرة.
محنته
اعتقد المأمون برأي المعتزلة في مسألة خلق القرآن، وطلب من ولاته في الأمصار عزل القضاة الذين لا يقولون برأيهم.
وقد رأى أحمد بن حنبل ان رأي المعتزلة يحوِّل الله سبحانه وتعالى إلى فكرة مجرّدة لا يمكن تعقُّلُها فدافع ابن حنبل عن الذات الإلهية ورفض قبول رأي المعتزلة، فيما أكثر العلماء والأئمة أظهروا قبولهم برأي المعتزلة خوفاً من المأمون وولاته.
وألقي القبض على الإمام ابن حنبل ليؤخذ إلى الخليفة المأمون. وطلب الإمام من الله أن لا يلقاه ، لأنّ المأمون توعّد بقتل الإمام أحمد. وفي طريقه إليه، وصل خبر وفاة المأمون، فتم ردّ الإمام أحمد إلى بغداد وحُبس ووَلِيَ الخلافة المعتصم، الذي امتحن الإمام، وتمّ تعرضه للضرب بين يديه.
وقد ظل الإمام محبوساً طيلة ثمانية وعشرين شهراً . ولما تولى الخلافة الواثق، وهو أبو جعفر هارون بن المعتصم، أمر الإمام أن يختفي، فاختفى إلى أن توفّي الواثق .
وحين وصل المتوكّل ابن الواثق إلى السلطة، خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقاد بخلق القرآن، ونهى عن الجدل في ذلك. وأكرم المتوكل الإمام أحمد ابن حنبل، وأرسل إليه العطايا، ولكنّ الإمام رفض قبول عطايا الخليفة.
وفاته
توفي الإمام يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين ومائتين للهجرة ، وله من العمر سبع وسبعون سنة. وقد اجتمع الناس يوم جنازته حتى ملأوا الشوارع وقيل ان جنازته كانت تاريخية وغير مسبوقة فهي أشبه بتظاهرة جماهيرية لمناهضة السلطة الرسمية للمعتزلة فبالرغم من عقلانيتهم ولكن عندما يفرضون رؤيتهم بالقوة فان الجماهير تنفر منهم وكذلك تفعل في كل وقت فالمفروض أن التعسف لا يكون حتى ولو كانت أفكارك بناءة وعقلانية المفروض أن تقنع بها الآخرين وهكذا يكون أحمد بن حنبل قد دشن توجها جديدا في الفكر الاسلامي الذي كان تنوعا وعقلانيا الى حد ما فاذا به متمسكا بحرفية النص ولا يكاد يخرج عليه وكان هذا التوجه بمباركة جماهيرية نكاية في ظلم السلطة القائمة التي اتخذت الفكر الاعتزالي مبررا للتنكيل بالناس الذين يعارضونها وكان ذلك على اثر انتصار المأمون وأمه فارسية على الأمين و أمه عربية وهي زبيدة فكيف للمأمون أن يقنع العرب بشرعية حركته فانه لم يستغل شذوذ الأمين المشهور به فانه عمد الى أفضل الأفكار التقدمية في ذلك الوقت أي الفكر الاعتزالي وفرضه على الناس بالقوة بحيث ان الاستبداد يقود دائما الى نتائج عكسية.
أحمد بن تيمية
فأما السلفية فهي حركة ظهرت في أواخر القرن السابع الهجري على يد أحمد بن تيمية كرد فعل على الإصلاحات العقلية التي أدخلها الإمام الأشعري على عقائد أهل الحديث ، واعتبر ابن تيمية ، والذي كان من فقهاء الحنابلة أن تلك الإصلاحات خروجا " عن السنة ، فعمل على إحياء عقائد أهل الحديث مستنكرا التأويلات التي قدمها الأشاعرة للأحاديث التي أخذت منها تلك العقائد .
وأطلق ابن تيمية على طريقته عنوان ( منهاج السلف الصالح ) ، فعرفت دعوته بالسلفية لأنه كان يدعو إلى العودة إلى سيرة السلف الصالح والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والتي - على رأيه - حاد عنها الأشاعرة والفرق الأخرى ، ولم يقف عند هذا الحد ، بل عمل على إظهار عقائد جديدة لم يناد بها ابن حنبل ولا أحد قبله ، كقوله بأن السفرلزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والاحتفال بمولده الشريف والتبرك بآثاره والتوسل به وبأهل بيته وزيارة القبور بدعا " وشركا " ومخالفة لعقيدة التوحيد ، وأنكر كثيرا " من الفضائل الواردة في أهل البيت عليه السلام المروية في الصحاح والمسانيد
وبسبب هذه التعديلات والإضافات ، فقد عد ابن تيمية عند أتباعه مجددا " عظيما " ولقبوه بشيخ الإسلام . ولكن دعوته على مستوى الأمة لم تلاق القبول وبقيت محصورة في مناطق محدودة من الشام ومصر ، وقد تصدى للرد عليه فقهاء ومحققو أهل السنة والفرق الأخرى ، وسجن في مصر لسنة ونصف لإدانته بالتجسيم والتشبيه ، ثم سجن ثانية في دمشق حيث أدركته المنية هناك عام 728 هجرية . وما لبثت دعوته أن خبت وضعفت بعد حقبة قصيرة من الزمن .
الوهابية
وأما الوهابية ، فهي حركة ظهرت في القرن الثاني عشر الهجري على يد محمد بن عبد الوهاب ( 1115 - 1206 هجرية ) ، وعملت على إحياء ونشر الفكر السلفي لابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية في الجزيرة العربية، والذي تسرب لاحقا " إلى بلاد إسلامية أخرى وبقطع النظر عن التهم الموجهةالى محمد بن عبد الوهاب من كونه يهوديا في الأصل فان العبرة بنتائج هذا الفكر الآن وما يتحقق على أرض الواقع من حماية للدين الاسلامي و تحقيق للشورى الحقيقية التي أمر الله بها في القرآن وحماية لبلاد المسلمين الأخرى و تقديم العون الحقيقي لهم وعدم الاستنجاد بالأجنبي لتدمير الأجوار الخ من الأعمال التي تقع تحت سمع و بصر شيوخ الوهابية ويتغاضون عنها ويدافعون عن الحكام دفاعا مستميتا يتناقض وأسس الاسلام الأساسية فكيف كان يتصرف مؤسس هذا الطرح الفكري
وكان ابن عبد الوهاب أكثر حدة وتعصبا " من ابن تيمية ، حيث قام بتكفير عامة المسلمين ممن ليسوا على طريقته ، بدعوى الشرك وعدم إخلاص التوحيد لله ، ودعا إلى إزالة ما يرونه بدعا " بقوة السيف .
ومن ذلك تهديمهم لآثار أهل البيت النبوي في مكة والمدينة . وقامت قبيلة آل سعود باستغلال هذا الفكر المتطرف فأعلنوا اعتناقهم لمذهب السلفية ، وشكلوا تحالفا " مع حركة ابن عبدالوهاب مما ساعدهم على احتلال معظم أجزاء الجزيرة العربية ، والتي أنشأوا فيها لاحقا " وبالتعاون مع بريطانيا ما يعرف اليوم باسم المملكة العربيةالسعودية .
وبعد أن كانت هذه الحركة محصورة في بدايتها ضمن نطاق الجزيرة العربية ، إلا أنها أصبحت اليوم وبفضل إمكانيات الدولة السعودية تتمتع بامتدادات واسعة في مناطق عديدة من العالم الإسلامي .
وبالرغم من أن الوهابيين يطرحون حركتهم كحركة إصلاحية ، إلا أن علماء المسلمين من أهل السنة قبل غيرهم قد تصدوا للرد على ابن عبد الوهاب وتفنيد عقائده وأفكاره ومن ضمنهم أخيه سليمان بن عبد الوهاب في كتابه ( الصواعق الإلهية ) .
وفيما يلي نذكر عينات من أفكار شيخ الإسلام ابن تيمية وأقواله التي تعد الركن الأساس في فهم العقائد الإسلامية وطرحها على الطريقة السلفية والوهابية :
ففي مجموعة رسائله ( الحموية ) في العقيدة يقول ابن تيمية : أن جميع النصوص تدل على أن الله فوق العرش في أعلى السماء ، وأنه يمكن الإشارة إلى جهته بالأصابع ، وأنه يرى يوم القيامة ، وأن الله يضحك ، وإذا أنكر أحد
وجود الله على العرش في أعالي السماوات وجب حمله على التوبة ، وإذا لم يتب وجب ضرب عنقه ،
ويقول أيضا " : أن التأويلات التي وردت بهذا الشأن مثل تأويل الآية ( الرحمن على العرش استوى ) [ طه / 5 ] بمعنى استولى ، هو تأويل باطل .
وبالرغم أن ابن تيمية طعن بمن يقولون بالتجسيم صراحة ، وضعف الأحاديث التي يستندون عليها ، إلا أنه يؤكد أن لله جوارح كاليد والعين والوجه والأصابع والرجل ولكن ليس كجوارح المخلوقات ( 1 ) .
وأما فيما يتعلق بمواقفه من أهل البيت عليه السلام وأعدائهم الأمويين ، فإنه يقول في ذكره لحروب الإمام علي عليه السلام : ( وعلي ( رض ) لم يكن قتاله يوم الجمل وصفين بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما كان رأيا " له ، وهو الذي ابتدأ أهل صفين بالقتال ، وعلي إنما قاتل الناس على طاعته ، لا على طاعة الله ) . ويضيف قائلا " : ( فمن قدح في معاوية بأنه كان باغيا " ، قال له النواصب : وعلي أيضا " كان باغيا " ظالما " قاتل المسلمين على إمارته وصال عليهم . فمن قتل النفوس على طاعته كان مريدا " للعلو في الأرض والفساد ، وهذا حال فرعون ، وليس هذا كقتال أبي بكر الصديق للمرتدين ومانعي الزكاة ، فالصديق إنما قاتلهم على طاعة الله ورسوله ، لا على طاعته ، فإن الزكاة فرض فقاتلهم على الإقرار بها ، بخلاف من قاتل ليطاع هو ) ( 2 ) .
وأما في معاوية ابن أبي سفيان، فإنه يقول :( فلم يكن ملك من ملوك المسلمين خير من معاوية ، ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيرا " منهم في زمن معاوية ) ، ثم ذكر روايتين الأولى تصف معاوية أنه فقيه ، والثانية على لسان أبي الدرداء بقوله : ما رأيت أحدا " أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من إمامكم هذا ، يعني معاوية ( 3 )
وانطلاقا مما سبق فان آل سعود عند قيامهم بامور السلطة في المملكة فانهم انسجاما مع مذهبهم السلفي المحافظ فانهم لا يقدسون المباني ولا يعتبرون لها اي قيمة عقائدية او تاريخية او حضارية او فنية بل انهم عمدوا الى تدمير الكثير منها حتى لا تكون مواقع من شانها ان تؤدي الى الشرك ولكن الحقيقة انهم لم يكتفوا بتدمير المباني المادية وما تحمله من رموز تاريخية وحضارية وقيمية لكل المسلمين بل انهم دمروا اكثر من ذلك انهم أقدموا على تدمير المنهج العقلاني في الاسلام الذي سار عليه الرسول وصحابته ومن تبعهم باحسان واكتفوا بالمنهج النصوصي معتبرين ان لاعلم الا فيه وانه يجب السير بالمسلمين على مقتضى ما كان سائدا في القرن الثالث للهجرة حيث كان ابن حنبل الاساس الفكري لمعتقدهم حيث ان ظروفه التاريخية فرضت عليه ذلك المنهج فهل يعقل ان نسير المسلمين اليوم نتيجة لظروف شخص واحد منذ احد عشر قرنا مضت او تزيد وعليه استبعدوا كل منهج عقلي ورموه بالضلالة والكفر ورفضوه رفضا مطلقا فلا نستغرب منهم ما فعلوه لاحقا باسم الدين ان المنهج اللاعقلاني والنصوصي هو الذي ابعدهم عن جادة الصواب فندعو لهم بالهداية من الله لعلهم يستفيقون من الغفوة التي هم فيها ويعلنون عن التعامل العقلي مع هذه الدين خاتم الديانات والذي ظهر للبشرية في فترة النضج العقلي للبشرية وفي اطار واقعية الاديارن ومسارها الجدلي في التعامل مع الواقع البشري لابد ان يصار الى ذلك المنهج العقلاني واستبعاد المنهج النصوصي الا في الضروري و المناسب من الاحكام دون ان نجعله قيدا على حرياتنا التي جاء الاسلام اساسا لتحقيقه
( 1 ) العقيدة الحموية الكبري لابن تيمية
(2) صائب عبد الحميد ، ابن تيمية : حياته : وعقائده ، ص 322 ، نقلا " عن منهاج السنة
(3)ابن تيمية ، منهاج السنة ، ج 6 ص 222 ، 235 . ( * )
الناصر خشيني نابل تونس
No comments:
Post a Comment