اقوى منتج تخسيس في مصر طبيعي مية في المية

اسرع منتج تخسيس في مصر اضغط الصورة و جرب مجانا

Monday, August 1, 2011

قصة حياة الجاسوس اليهودى ايلى كوهين فى سوريا التى لم تنشر

الجاسوس إيلي كوهين.. القصة الحقيقية وحقائق لم تنشر


 الياهو بن شاؤول كوهين يهودي من اصل سوري حلبي، ‏ولد 
بالإسكندرية التىالجاسوس ايلي كوهين . هاجر اليها احد اجداده سنة 1924. وفي عام 1944 انضم ايلي كوهين الى منظمة الشباب اليهودي الصهيوني في الإسكندرية وبدا متحمسا للسياسة الصهيونية وسياستها العدوانية على البلاد العربية،‏ وفي سنة‏ وبعد حرب 1948 اخذ يدعو مع غيره من اعضاء المنظمة لهجرة اليهود المصريين الى فلسطين وبالفعل في عام 1949‏ هاجر أبواه وثلاثة من أشقاءه إلي إسرائيل بينما تخلف هو في الإسكندرية ‏.‏
وقبل ان يهاجر الى اسرائيل عمل تحت قيادة إبراهام دار وهو أحد كبار الجواسيس الإسرائيليين الذي وصل إلى مصر ليباشر دوره في التجسس ومساعدة اليهود علي الهجرة وتجنيد العملاء‏،‏ واتخذ الجاسوس اسم جون دارلينج‏ وشكل شبكة للمخابرات الإسرائيلية بمصر نفذت سلسلة من التفجيرات ببعض المنشأت الأمريكية في القاهرة والإسكندرية‏ بهدف افساد العلاقة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية و في عام 1954 تم إلقاء القبض على أفراد الشبكة في فضيحة كبرى عرفت حينها بفضيحة لافون، وبعد انتهاء عمليات التحقيق‏ كان أيلي كوهين قد تمكن من إقناع المحققين ببراءة صفحته إلي أن خرج من مصر‏ عام 1955‏ حيث التحق هناك بالوحدة رقم ‏131‏ بجهاز أمان لمخابرات جيش الدفاع الإسرائيلي‏ ثم أعيد إلي مصر‏ ولكنه كان تحت عيون المخابرات المصرية‏ التي لم تنس ماضيه فاعتقلته مع بدء العدوان الثلاثي ضد مصر في أكتوبر ‏1956.‏
وبعد الإفراج عنه هاجر إلي إسرائيل عام 1957‏,‏ حيث استقر به المقام محاسبا في بعض الشركات‏,‏ وانقطعت صلته مع "أمان" لفترة من الوقت‏,‏ ولكنها استؤنفت عندما طرد من عمله‏ وعمل لفترة كمترجم في وزارة الدفاع الإسرائيلية ولما ضاق به الحال استقال وتزوج من يهودية من أصل مغربي عام 1959.
وقد رأت المخابرات الإسرائيلية في ايلي كوهين مشروع جاسوس جيد فتم إعداده في البداية لكي يعمل في مصر‏,‏ ولكن الخطة ما لبثت أن عدلت‏,‏ ورأي أن أنسب مجال لنشاطه التجسسي هو دمشق‏.‏
وبدأ الإعداد الدقيق لكي يقوم بدوره الجديد‏,‏ ولم تكن هناك صعوبة في تدريبه علي التكلم باللهجة السورية‏,‏ لأنه كان يجيد العربية بحكم نشأته في الإسكندرية‏.‏
ورتبت له المخابرات الإسرائيلية قصة ملفقه يبدو بها مسلما يحمل اسم كامل أمين ثابت هاجر وعائلته الى الاسكندرية ثم سافر عمه الى الارجنتين عام 1946 حيث لحق به كامل وعائلته عام 1947 وفي عام 1952 توفى والده في الارجنتين بالسكتة القلبية كما توفيت والدته بعد ستة اشهر وبقى كامل وحده هناك يعمل في تجارة الأقمشة.
وتم تدريبه على كيفية استخدام اجهزة الارسال والاستقبال اللاسلكي والكتابة بالحبر السري كما راح يدرس في الوقت نفسه كل اخبار سوريا ويحفظ اسماء رجالها السياسيين والبارزين في عالم الاقتصاد والتجارة. مع تعليمه اصول الايات القرآنية وتعاليم الدين الإسلامي.
وفي‏ 3‏ فبراير ‏1961‏ غادر ايلي كوهين إسرائيل إلي زيوريخ‏,‏ ومنها حجز تذكرة سفر إلي العاصمة التشيلية سنتياجو باسم كامل أمين ثابت‏,‏ ولكنه تخلف في بيونس ايرس حيث كانت هناك تسهيلات معدة سلفا لكي يدخل الأرجنتين بدون تدقيق في شخصيته الجديدة‏.‏
وفي الارجنتين استقبله عميل اسرائيلي يحمل اسم ابراهام حيث نصحه بتعلم اللغة الاسبانية حتى لا يفتضح امره وبالفعل تعلم كوهين اللغة الاسبانية وكان ابراهام يمده بالمال ويطلعه على كل ما يجب ان يعرفه لكي ينجح في مهمته.
وبمساعدة بعض العملاء تم تعيين كوهين في شركة للنقل وظل كوهين لمدة تقترب من العام يبني وجوده في العاصمة الأرجنتينية كرجل أعمال سوري ناجح‏ فكون لنفسه هوية لا يرقى إليها الشك,‏ واكتسب وضعا متميزا لدي الجالية العربية في الأرجنتين‏,‏ باعتباره قوميا سوريا شديد الحماس لوطنه وأصبح شخصية مرموقة في كل ندوات العرب واحتفالاتهم‏،‏ وسهل له ذلك إقامة صداقات وطيدة مع الدبلوماسيين السوريين وبالذات مع الملحق العسكري بالسفارة السورية‏,‏ العقيد أمين الحافظ.
وخلال المآدب الفاخرة التي اعتاد كوهين أو كامل أمين ثابت إقامتها في كل مناسبة وغير مناسبة‏,‏ ليكون الدبلوماسيون السوريون علي رأس الضيوف‏,‏ لم يكن يخفي حنينه إلي الوطن الحبيب‏,‏ ورغبته في زيارة دمشق‏ لذلك لم يكن غريبا ان يرحل اليها بعد ان وصلته الاشارة من المخابرات الاسرائيلية ووصل اليها بالفعل في يناير ‏1962 حاملا معه الآت دقيقية للتجسس,‏ ومزودا بعدد غير قليل من التوصيات الرسمية وغير الرسمية لأكبر عدد من الشخصيات المهمة في سوريا‏,‏ مع الإشادة بنوع خاص إلي الروح الوطنية العالية التي يتميز بها‏,‏ والتي تستحق أن يكون محل ترحيب واهتمام من المسئولين في سوريا‏.‏
وبالطبع‏,‏ لم يفت كوهين أن يمر علي تل أبيب قبل وصوله إلي دمشق‏,‏ ولكن ذلك تطلب منه القيام بدورة واسعة بين عواصم أوروبا قبل أن ينزل في مطار دمشق وسط هالة من الترحيب والاحتفال‏.‏ و أعلن الجاسوس انه قرر تصفية كل أعماله العالقة في الأرجنتين ليظل في دمشق مدعيا الحب لوطن لم ينتمي اليه يوما.
ايلي كوهين
وبعد أقل من شهرين من استقراره في دمشق‏,‏ تلقت أجهزة الاستقبال في أمان أولي رسائله التجسسية التي لم تنقطع علي مدي ما يقرب من ثلاث سنوات‏,‏ بمعدل رسالتين علي الأقل كل أسبوع‏.‏
وفي الشهور الأولي تمكن كوهين أو كامل من إقامة شبكة واسعة من العلاقات المهمة‏‏ مع ضباط الجيش و المسئولين الحربيين‏.‏
وكان من الأمور المعتادة أن يقوم بزيارة أصدقائه في مقار عملهم‏,‏ ولم يكن مستهجنا أن يتحدثوا معه بحرية عن تكتيكاتهم في حالة نشوب الحرب مع إسرائيل‏,‏ وأن يجيبوا بدقة علي أي سؤال فني يتعلق بطائرات الميج أو السوخوي‏,‏ أو الغواصات التي وصلت حديثا من الاتحاد السوفيتي أو الفرق بين الدبابة تي ـ‏52‏ وتي ـ‏54‏... الخ من أمور كانت محل اهتمامه كجاسوس.
وبالطبع كانت هذه المعلومات تصل أولا بأول إلي إسرائيل‏,‏ ومعها قوائم بأسماء و تحركات الضباط السوريين بين مختلف المواقع والوحدات‏.‏
وفي سبتمبر‏1962‏ صحبه أحد أصدقائه في جولة داخل التحصينات الدفاعية بمرتفعات الجولان‏..‏ وقد تمكن من تصوير جميع التحصينات بواسطة آلة التصوير الدقيقة المثبتة في ساعة يده‏,‏ وهي احدي ثمار التعاون الوثيق بين المخابرات الإسرائيلية والأمريكية.
ومع أن صور هذه المواقع سبق أن تزودت بها إسرائيل عن طريق وسائل الاستطلاع الجوي الأمريكية‏,‏ إلا أن مطابقتها علي رسائل كوهين كانت لها أهمية خاصة‏ سواء من حيث تأكيد صحتها‏,‏ أو من حيث الثقة في مدي قدرات الجاسوس الإسرائيلي‏.‏
وفي عام ‏1964,‏ عقب ضم جهاز أمان إلي الموساد‏,‏ زود كوهين قادته في تل أبيب بتفصيلات وافية للخطط الدفاعية السورية في منطقة القنيطرة‏,‏ وفي تقرير آخر أبلغهم بوصول صفقة دبابات روسية من طراز تي ـ‏54,‏ وأماكن توزيعها‏,‏ وكذلك تفاصيل الخطة السورية التي أعدت بمعرفة الخبراء الروس لاجتياح الجزء الشمالي من إسرائيل في حالة نشوب الحرب‏.‏
وازداد نجاح ايلي كوهين خاصة مع بإغداقه الأموال على حزب البعث وتجمعت حوله السلطه واقترب من ان يرشح رئيسا للحزب او للوزراء!.
ايلي كوهين
وهناك اكثر من رواية حول سقوط ايلي كوهين نجم المجتمع السوري لكن الرواية الأصح هي تلك التى يذكرها رفعت الجمال الجاسوس المصري الشهير بنفسه..
"... شاهدته مره في سهرة عائلية حضرها مسئولون في الموساد وعرفوني به انه رجل اعمال اسرائيلي في امريكا ويغدق على اسرائيل بالتبرعات المالية.. ولم يكن هناك اى مجال للشك في الصديق اليهودي الغني، وكنت على علاقة صداقة مع طبيبة شابه من اصل مغربي اسمها (ليلى) وفي زيارة لها بمنزلها شاهدت صورة صديقنا اليهودي الغني مع امرأة جميلة وطفلين فسألتها من هذا؟ قالت انه ايلي كوهين زوج شقيقتي ناديا وهو باحث في وزارة الدفاع وموفد للعمل في بعض السفارات الإسرائيلية في الخارج، .. لم تغب المعلومة عن ذهني كما انها لم تكن على قدر كبير من الأهمية العاجلة، وفي أكتوبر عام 1964 كنت في رحلة عمل للاتفاق على افواج سياحية في روما وفق تعلمات المخابرات المصرية وفي الشركة السياحية وجدت بعض المجلات والصحف ووقعت عيناي على صورة ايلي كوهين فقرأت المكتوب أسفل الصورة، (الفريق اول على عامر والوفد المرافق له بصحبة القادة العسكريين في سوريا والعضو القيادي لحزب البعث العربي الإشتراكي كامل امين ثابت) وكان كامل هذا هو ايلي كوهين الذي سهرت معه في اسرائيل وتجمعت الخيوط في عقلي فحصلت على نسخة من هذه الجريدة اللبنانية من محل بيع الصحف بالفندق وفي المساء التقيت مع (قلب الأسد) محمد نسيم رجل المهام الصعبة في المخابرات المصرية وسألته هل يسمح لي ان اعمل خارج نطاق إسرائيل؟ فنظر لي بعيون ثاقبة..
- ماذا ؟
- قلت: خارج اسرائيل.
- قال: اوضح.
- قلت: كامل امين ثابت احد قيادات حزب البعث السوري هو ايلي كوهين الاسرائيلي مزروع في سوريا واخشى ان يتولى هناك منصبا كبيرا.
- قال: ما هي ادلتك؟
- قلت: هذه الصورة ولقائي معه في تل ابيب ثم ان صديقة لي اعترفت انه يعمل في جيش الدفاع.
ابتسم قلب الأسد واوهمني انه يعرف هذه المعلومة فأصبت بإحباط شديد ثم اقترب من النافذة وعاد فجأة واقترب مني وقال..
- لو صدقت توقعاتك يا رفعت لسجلنا هذا بإسمك ضمن الأعمال النادرة في ملفات المخابرات المصرية.."
وعقب هذا اللقاء طار رجال المخابرات المصرية شرقا وغربا للتأكد من المعلومةالجاسوس ايلي كوهين . وفي مكتب مدير المخابرات في ذلك الوقت السيد صلاح نصر تجمعت الحقائق وقابل مدير المخابرات الرئيس جمال عبد الناصر ثم طار في نفس الليلة بطائرة خاصة الى دمشق حاملا ملفا ضخما وخاصا الى الرئيس السوري أمين الحافظ.
وتم القبض على ايلي كوهين وسط دهشة الجميع واعدم هناك في 18 مايو 1965.

الجاسوس إيلي كوهين.. القصة الحقيقية وحقائق لم تنشر

صدر مؤخراً في دمشق كتاب بعنوان حقائق لم تنشر عن الجاسوس الصهيوني إيلي كوهين وقصته الحقيقية للواء المتقاعد صلاح الضللي الرجل الذي رأس المحكمة العسكرية السورية التي حكمت بالإعدام على فريق الجواسيس وجاء هذا الكتاب رداً على الكتب التي تتحدث عن كوهين خاصة كتاب (الجاسوس الإسرائيلي وحرب الأيام الستة ـ للكاتب زفيل دوي جيرولد بالينغر) وكتاب وحيد في دمشق لـ شيمون شيغف الذي وصف حالة كوهين النفسية كما وصفتها زوجته التي قالت انه كوهين يعلم انه ذاهب إلى دمشق ليلاقي حتفه لأنه حاول عدة مرات أن ينهي مهمته في سورية إلا أن الموساد كانت ترفض واليهود الغربيون الذين ارسلوه لا يريدونه أن يعود لأنه من اليهود الشرقيين وذلك حسب اعترافات كوهين ، ومنذ اعدم في دمشق العام 1965 لا تزال قضيته تثير الكثير من القصص والحكايات التي قد تكون من نسج وصنع المخابرات الصهيونية (الموساد) كنوع من التضليل السياسي والإعلامي الذي يستهدف أظهار هذا الجهاز وكأنه قادر على اختراق جميع الأمكنة العربية، والوصول إلى مواقع القرار والأسرار، ولكن عندما يروي الحقيقة أحد الأشخاص الذين ساهموا في الكشف عنها، وهو اللواء المتقاعد صلاح الدين الضللي ، فإن الوضع يكون أكثر تأثيراً ووضوحاً، وهو يصل إلى درجة "الصدمة" الكثير من الجوانب الغامضة في هذه القضية التي لا تزال تشغل اهتمام الرأي العام حتى الآن، وذلك بالرغم من مرور هذه السنوات الطويلة على الحدث.
بداية يفترض اللواء صلاح الضللي الضابط السوري المتقاعد ورئيس المحكمة العسكرية التي حكمت على كوهين بالإعدام، أن هذا الأخير قد يكون احد اليهود الذين عاشوا في مدينة دير الزور، شرق سوريا، مؤكداً وجود شبه وتشابه كبير جداً بين الجاسوس كوهين وبين تاجر يهودي سوري من دير الزور، كان يدعى (كرجي) ويمتلك محلا تجاريا لبيع الألبسة الجاهزة في الشارع العام وسط المدينة. وبالقرب من حلاق يدعى حمدي الخضر، كان المؤلف يحلق ذقنه وشعره عنده. ويضيف الضللي انه في عام 1948 أثناء نكبة فلسطين، قامت مظاهرات في دير الزور، تستنكر المذابح التي قام بها اليهود و أثناء مرورها بالشارع العام وأمام محل التاجر (كرجي) قام المتظاهرون بتحطيم واجهة محله الأمر الذي دفعه إلى مغادرة المدينة إلى جهة مجهولة خوفاً مما قد يحدث له من غضب الجمهور.
ويؤكد أن صورة كرجي، ظلت ماثلة في ذاكرته وعندما القي القبض على الجاسوس كوهين، ووقع نظر الضللي عليه، شعر بأن كرجي أمامه وبادره بالسؤال عن صلة القربى بينه (كوهين) وبين المدعو كرجي، مشيراً إلى أن كوهين دهش لطرح السؤال وأحس انه ، اكتشف حقيقته، فارتعد وارتعش، لان اسم كرجي متداول بين اليهود. ويضيف أن لليهودي الشرقي صفات معينة في الوجه والأنف وانحناء الظهر، وهي كلها كانت تنطبق على الجاسوس كوهين. ومنها أن كوهين كان على درجة كبيرة من البخل الذي وصل إلى حد التقتير على نفسه، وذلك بخلاف كل المعلومات التي نشرت عنه سابقاً، والتي ادعت بأنه كان يبذخ كثيراً وينفق المال على أقامة الحفلات والموائد في دمشق.
والمؤلف يؤكد أن ذلك كله مجرد كذب وافتراء حيث يقول أن كوهين لم يقم بأي حفلة على الأطلاق وان الدعوات كانت تأتيه من الآخرين طمعاً بالتعرف عليه كونه ثري ومغترب وتاجر وله مشاريع تجارية كثيرة في بلاد الله الواسعة. فقد قدم إلى سوريا على انه مغترب من الأرجنتين باسم كامل ثابت أمين ويضيف المؤلف إن الجميع كانوا يريدون أن يزوجوه طمعاً في ماله. ولهذا لم تنقطع الدعوات للغداء أو العشاء أو السهرات أو آكلات التبولة.
وانه لم يسبق أن دعا أي شخص إلى بيته سوى معزى زهر الدين، وكان معزي يقدمه لكوهين أثناء حضوره إلى مدينة أدلب لزيارته. ويؤكد الضللي إن الأعلام العربي والصهيوني هو الذي رسم صورة غير حقيقية عن بذخ كوهين، وذلك حتى يوهم الرأي العام العربي والعالمي بأن هذا الجاسوس استخدم المال من أجل تحقيق الاختراق للمجتمع السوري! وفي سياق الكتاب يرد المؤلف على الكثير من الافتراءات والأضاليل التي حاولت المصادر الصهيونية ترويجها عن كوهين والدور الذي قام به أثناء وجوده في سوريا. ويتوقف بصورة خاصة عندما ورد في كتاب "الجاسوسية الإسرائيلية وحرب الأيام الستة" حيث جاء فيه أن كوهين خطط لانقلاب 8 مارس الذي أوصل حزب البعث إلى السلطة، وساهم في وضع قرارات التأمين وانه انتخب عضواً في القيادة القطرية وكذلك القومية لحزب البعث ورشح وزيراً للأعلام ونائباً لوزير الدفاع وأنه هو الذي أحبط محادثات الوحدة الثلاثية وتوسط بين الرئيس أمين الحافظ وتجار دمشق، وهو الذي أعاد صلاح البيطار إلى رئاسة الوزارة من الأردن إلى سوريا، وضرب مدينة حماة، وخطط لضرب مشروع تحويل نهر الأردن، ويؤكد المؤلف أن ما ورد في محاضرات محاكمة كوهين يدحض كل هذه الأكاذيب موضحاً أن جواز سفر كوهين لم يتم العثور فيه على تأشيرة لدخول الأردن، كما يدعي مؤلف كتاب "الجاسوسية الإسرائيلية وحرب الأيام الستة" ويكشف كوهين أمام المحكمة انه لم يسافر إلى الأردن، وبالتالي لم يكن له أي دور في أعادة البيطار إلى سوريا، كما ينفي المؤلف أن يكون كوهين، تعرف على أمين الحافظ أثناء وجوده في الأرجنتين، مؤكداً أن أمين الحافظ سافر إلى الأرجنتين ووصل إليها ليلة رأس السنة لعام 1962، كما هو ثابت في جواز سفره، وانه قضى تلك الليلة في الفندق وحيداً، في الوقت الذي كان فيه كوهين على ظهر الباخرة من نابولي إلى الإسكندرية، ومن ثم إلى بيروت، حيث وصل إليها يوم 8/11/1962 وأمضى يومين في بيروت، سافر بعدها مع ماجد شيخ الأرض العميل السري لوكالة المخابرات
المركزية الأميركية إلى دمشق يوم 10/1/1962 معتبراً أن ذلك ينفي كل ادعاء بأن كوهين تعرف على أمين الحافظ في الأرجنتين، ويضيف أن من بين كل الشخصيات التي تعرف عليها كوهين أثناء وجوده في سوريا لم يكن هناك أي واحد ممن هو قيادي أو وزير أو ذو مرتبة عالية في الدولة بل كلهم من التجار والناس العاديين! موضحاً أن هناك ثلاثة أشخاص ساندوه، وهم: ماجد شيخ الأرض "عميل المخابرات المركزية" ومعزى زهر الدين ابن شقيقة رئيس الأركان آنذاك وجورج سيف مدير الدعاية والأنباء في تلك الفترة. ويؤكد المؤلف في كتابه أن الموساد الصهيوني، هو الذي أراد هذا المصير للجاسوس كوهين بالموت شنقاً في دمشق، موضحاً أن الكيان الصهيوني الذي لم يكن جاداً في إنقاذه و كان قادراً على ذلك لو انه استخدم الامكانات التي كانت متاحة لديه آنذاك بالرغم من الضجة الإعلامية والسياسية والدبلوماسية التي أثارتها بعد القبض عليه ومحاكمته، والحكم عليه بالإعدام، ويكشف المؤلف موشتي دايان أنه طلب من الملكة إليزابيث الأم التي كانت تزور بلجيكا لكي تتدخل لإنقاذ إيلي الذي كان بمقدوره الضغط على الموساد التي استطاعت خطف أنجمان من الأرجنتين التي تبعد ألاف الكيلو مترات عن فلسطين، بأعداد خطة لاختطاف رئيس المحكمة العسكرية السورية آنذاك، وهو المؤلف اللواء صلاح الدين ضللي أثناء زيارته للأردن خلال الفترة من 19 ـ 20 مارس 1965، وذلك قبل أيام من صدور الحكم ضد كوهين، وهو لا يبعد سوى عشرات الأمتار من الحدود مع الأردن، ويضيف أن الزيارة استمرت لمدة عشرة أيام.وهي شملت مدينة قلقيلية والقدس الشرقية وبوابة "مندلبوم" التي يمر منها كوهين إلى الأردن ومن ثم سوريا وان الكثير من أصحاب المحلات التجارية تعرفوا عليه أي رئيس المحمكة العسكرية السورية مؤكداً أنه أمضى عشرة أيام في الأردن والضفة الغربية، وكان بمقدور جهاز الموساد أن يقوم باختطافه شخصياً، والمساومة عليه لإطلاق سراح كوهين، ولكن هذا لم يحدث بالرغم من أن إسرائيل كانت تتعقب زيارة الوفد السوري لحظة بلحظة، وهو يؤكد أنه كان باستطاعة الموساد إنقاذ حياة كوهين ولكنه لم يفعل بالرغم من أن رئيس الموساد قد ابلغ كوهين قبل سفره إلى سوريا بأنه إذا حدث له شيء "نهاجم دمشق وننقذك". وبالفعل فقد اكتشف كوهين، وهو في السجن انه خدع من قبل رؤسائه بالموساد أن إسرائيل لم تفعل شيئاً لإنقاذه ربما لأنه كان من اليهود الشرقيين، حيث أن التمييز العنصري على أشده!
المهمة الحقيقية : ويميط الكتاب اللثام عن حقيقة المهمة التي أوفد كوهين لأجلها إلى سوريا في البداية، وهي لم تكن بقصد التجسس وجمع المعلومات عن سوريا، بل من اجل البحث عن مساعد الضابط النازي أنجمان، الذي تم اختطافه من الأرجنتين إلى إسرائيل، فقد كان مساعده هو لويس برونر الذي توفرت لدى المخابرات الصهيونية ـ الموساد ـ معلومات انه موجود في دمشق، وهي طلبت من كوهين تعقبه والعثور عليه بأي ثمن. وأمضى الجاسوس الصهيوني قرابة الستة أشهر وهو يبحث في دمشق عن برونر أو شبيه له ولكن دون جدوى. وبعد عودته إلى فلسطين المحتلة، حيث تم تعليق مهمته من قبل ـ الموساد ـ عرض كوهين على المخابرات الصهيونية أن تعيده مرة أخرى إلى دمشق بعد أن كون شبكة من العلاقات مع تجار ومسؤولين وبالتالي صار وجوده في سوريا أمراً مفيداً للموساد! وبسبب هذا الإلحاح أعيد كوهين إلى سوريا حتى لقي مصيره. أما الأمر المهم الآخر الذي يؤكده المؤلف، فهو تأكيده انه ليس للقاهرة أي علاقة بموضوع المساهمة في الكشف عن إيلي كوهين، موضحاً أن الحكومة السورية أرسلت كتابا رسميا إلى الحكومة المصرية تسألها عن هذا الموضوع الذي تم نشره في الصحف، فأرسلت الحكومة المصرية كتاباً تنفي فيه نفياً قاطعا هذه المعلومات، مؤكدة انه ليس لديها أي معلومة بهذا الخصوص.ويضيف انه تبين أخيرا أن هذا الموضوع ملفق تلفيقاً من عبد الهادي البكار وغسان كنفاني حيث نشر اعترافهما بإحدى الصحف اللبنانية، الأمر الذي يؤكد أنه لا علاقة للمخابرات المصرية في الكشف عن كوهين. ومن النقاط الأخرى التي يثيرها الكتاب نفيه لكل الاتهامات التي وجهت إلى سليم حاطوم حول علاقته بكوهين، مشيراً إلى انه كان عضوا في المحكمة العسكرية التي حاكمته. ويقر الكتاب انه تم الكشف عن كوهين، بعد شكوى تقدمت بها السفارة الهندية بدمشق، من أن الوقت الذي بثت فيه لاسلكيا، يتعرض للتشويش، تمت محاصرة المنطقة وفاجأت المخابرات السورية كوهين في شقته، وألقت القبض عليه، ومن ثم أودع السجن وطويت الأسطورة!

طالبت عائلة الجاسوس الإسرائيلي الشهير ايلي كوهين، الذي اعدم في سوريا، إلى جانب ممثلين عن الطلاب اليهود في العالم من الرئيس بشار الأسد تسليمهم رفاته لدفنها في في اسرائيل.

وقالت العائلة: "نريد رفات والدي.لقد دفع الثمن (عندما أعدمته الحكومة السورية) إلا أن دفنه هو طقس ديني لا يتعلق بعقوبته". وبادر إلى اقتراح توقيع العريضة رئيس الاتحاد العالمي للطلبة اليهود دانييل ترانسلاتور الذي طرح الفكرة على صوفي كوهين.

وتدعو الرسالة التي يوقعها ترانسلاتور و200 من الطلبة اليهود من 50 بلدا الأسد باسم الشعب اليهودي في جميع أنحاء العالم إلى القيام ببادرة إنسانية لبناء الثقة عبر إعادة رفات ايلي كوهين إلى عائلته في إسرائيل.

واعتبرت كوهين إن الحكومة الإسرائيلية أيضاً تتشارك جزءا من المسؤولية في إهمال قضية والدها وقالت "إسرائيل لا يمكنها الاستمرار في نسيان والدي عليها أن تقول لجنودها أنها تقف إلى جانبهم حتى النهاية وما بعدها".

وقالت صوفي ابنة كوهين لصحيفة جيروزاليم بوست "ندعو بشار الأسد لان يظهر لنا بان نواياه المعلنة يقينية".

وتجسس كوهين لصالح إسرائيل خلال فترة الستينات في دمشق وكاد يشغل منصبا رسميا سوريا وقدم معلومات قيمة ساهمت في انتصار إسرائيل خلال حرب الأيام الستة.

شقيق الجاسوس المشهور ايلي كوهن الذي أعدم بسوريا يروي قصة التجسس والعائلة .


مورس كوهن (80 عاماً) شقيق الجاسوس المشهور ايلي كوهن الذي أعدم بسوريا يروي قصة التجسس والعائلة .

موريس كوهين : حسبما يعرف نفسه هو عميل موساد متقاعد متخصص في علم التشفير، ولد في مصر لوالدين يهوديين من أصل سوري حلبي وفرّ إلى إسرائيل في أعقاب حرب الاستقلال عام1948،وهو يقيم اليوم في رمات غان، إسرائيل

الرواية كما كتبها موريس كوهن :

"أحـارس أنـا لأخـي؟"

 
أمضيت الجزء الأكبر من حياتي محتفظا بالأسرار. أسرار الدولة، أسرار العائلة والأسرار العاطفية. وقد صنت هذه الأسرار، واحتفظت بها قريبًا إلى قلبي، حبستها ذهنيا. كل سرّ منحني لحظات من الفخر، الفرح والألم.

ولكن، ثمة سر يحطم قلبي منذ عام 1962. من الممكن أن يكون هذا السر قد أنقذ وطني، لكنه، بالتأكيد، كلّفني جزءًا من روحي. إنه سر إلياهو كوهين، الجاسوس الإسرائيلي الأكثر شهرة.

واضاف:مر على موت إيلي 40 (أربعين )عامًا حتى الآن، وعلى الرغم من أنني لم أقتله، إلا أنني مدرك تمامًا أن فشلي في الكشف عما عرفته من الممكن أنه قد حسم مصيره. كنت مثل إيلي عضوًا في الاستخبارات الإسرائيلية، عميل في الموساد، متقاعد الآن. وكان تقاطع حياتنا في تلك الوكالة هو الأمر الذي أدى إلى جحيمي الشخصي

في الحقيقة لم أكن أعرف عن هذا الجاسوس الأشهر كامل أمين ثابت ( إيلي كوهين ) إلا ما كنت أسمعه من هذا وذاك ولم أكن قد قرأت عنه شيء مكتوب ولم يكن أحد منا على دراية بمهنة الآخر الجاسوسية وحتى لو كنا على دراية بذلك، فما كان بإمكاننا التباحث في عملنا. كنت مثل إيلي عضوًا في الاستخبارات الإسرائيلية، عميل في الموساد لقد علمت بمعظم الأمور عن هذا الجاسوس الإسرائيلي الأشهر في تاريخ سورية وكيف تم كشفه من قبل المخابرات وعن تأريخ حياته والتي سأطلعكم عليها لثوي في السنوات التي تلت موت إيلي. إليكم القصة الجاسوسية الشيقة بكاملها ولكن دعوني أبدأ أقرب ما يمكن من البداية .

عـائـلـة مـن الـلاجـئـيـن

ترك والدنا شاؤول جندي كوهين يهودي من أصل سوري حلبي ، الذي كان في سن 12 عامًا، مع والديه بيتهم في حلب في سوريا عام 1914 وهاجروا إلى الإسكندرية في مصر. كان الآلاف من اليهود قد تركوا حلب تلك السنة، من بينهم، أيضًا، والدتنا، صوفي التي كانت في السابعة من عمرها آنذاك. كانت مصر هي الدولة التي التقى فيها والدينا وفيها ولدت أنا وإيلي – ولد إيلي عام 1924 وولدت أنا بعد ثلاث سنوات من ذلك، وكنا المولودان الثاني والثالث من أصل ثمانية أطفال، بقي منهم سبعة على قيد الحياة حتى سن الرشد.

كنّا منبوذين على نحو مضاعف كيهود. عداء المسلمين المصريين نحو اليهود كان في تزايد مستمر، ولم يفعل البريطانيون، الذين حكموا مصر حتى عام 1954، شيئا لمعالجة هذا التمييز. لقد أدركنا، منذ نعومة أظفارنا، أننا دخيلون على مصر وكنا توّاقون لخلق مكان ننتمي إليه بشكل حقيقي.

عند بلوغي سن العاشرة، كانت الحركة الصهيونية قد اكتسبت الكثير من الزخم بين أوساط اليهود أمثالي. انضممت إلى "هحالوتسيم" (الطلائعيين)، وهي نوع من كشافة الأولاد تابعة للشبيبة الصهيونية، ومع بلوغي سن 14 عامًا، أصبحت قائد فرقة كشفية. كنا نحن الكشافة وطنيين بشكل كامل لوطن لم يكن موجودًا، وكانت مهمتنا استخدام معرفتنا للتاريخ والثقافة اليهوديين من أجل حث الأحداث اليهود على الانضمام إلينا. وعلى الرغم من أننا لم نكن بالغين، إلا أننا سعينا من أجل تسريع إقامة دولة يهودية، أرض نستطيع الاحتفاء فيها بإرثنا بدون خوف أو حياء.

كان إيلي، الذي كان أكبر سنًا من أن يلتحق بالكشافة، ناشطًا في الحركة الصهيونية السرية. وفق القانون المصري آنذاك، فرض على جميع الذكور، بمن فيهم اليهود، الخدمة في الجيش، لكنه تم رفض إيلي على أساس ولاء مشكوك فيه . دفع والدي عنه بدل عسكري وغرامة مالية فائقة. بدلاً من ذلك، التحق إيلي بجامعة القاهرة ليدرس للحصول على لقب في الهندسة الإلكترونية. تم اضطهاد إيلي وطلاب يهود آخرين في الجامعة من قبل الإخوان المسلمين، وهكذا انسحب إيلي ليتابع دراسته في البيت. علمت لاحقًا أن هذا الأمر مكنه من العمل بحرية من أجل القضية الصهيونية. نحن في العائلة لم نكن، لحسن الحظ، على علم بحقيقة كون إيلي مشكوك بأمره من قبل السلطات المصرية. وكان هذا سر إيلي الأول من بين العديد من أسراره.

عندما بلغت السن الملائمة للالتحاق بالجيش المصري، قام أبي بتدبير إعفاء لي، دفع بدل عسكري واستخدم علاقاته من أجل عدم التحاقي بالجيش وانضمامي بالحرس الملكي.

ثم ذهبت في العام 1948 للعمل كموظف في أرشيف الجيش البريطاني في المقر الرئيسي لخدمة الجيش الملكي الانكليزي في الإسماعيليةRoyal Army Service Corp

. درست في الليل موضوع المحاسبة في المعهد الفرنسي La Société de Comptabilité de France”" والفن المعماري في المعهد البريطاني ”British Institute of Engineering Technology”

إلا أن ظروف اليهود في مصر كانت تتفاقم بشكل متزايد، تم اعتقالي وسجني، في إحدى الأمسيات، بعد أن تبين أنه لم يكن بحوزتيّ بطاقة شخصية لإثبات الهوية. في غياب سجن ملائم في منطقة فأيد، احتفظ بي من اعتقلني في مرحاض خارجي خلال الليل، قبل أن يأخذوني إلى مركز الشرطة في الإسماعيلية للتحقيق. في السيارة إثناء السفر على الطريق، لحظت أن في حوزتي أوراق كتبت عليها باللغة العبرية أغاني وطنية شعبية فأصبحت رهينة لما في جيبي

بحذر، مزّقت الأوراق إربًا إربًا، مضغتها حتى أصبحت عجينة ورقية ثم قذفت بها خارج الشباك. عندما وصلنا إلى مركز الشرطة، بقيت قطعة صغيرة من الورق في جيبي. كنت بحاجة لطريقة ناجعة لأتخلص فيها من الأغاني. وبات الحاجب الذي كان ينظف الأرض، فرصتي الأخيرة لأخلص نفسي من قطعة الورق الأخيرة. لففت قطعة الورق بورقة نقدية قيمتها جنيه واحد وألقيتها على الأرض. عندما رأى الحاجب الورقة النقدية، وضع قدمه عليها بسرعة ليضمنها لنفسه، وانتهى المطاف بقطعة الورق مع النفايات، بوساطة رجل النظافة الذي ركز انتباهه على النقود فقط. كان ذلك أول عمل لي في الجاسوسية.

بعد ذلك بفترة وجيزة، تم تسريحي من المقر الرئيسي للجيش البريطاني، وأصبح من الواضح أنني لن أتمكن من العثور على عمل آخر في مصر. مع حلول عام 1948، أعلنت إسرائيل عن قيامها وبات وضع اليهود في الدول العربية أكثر خطورة. نتيجة لذلك، قررت عائلتي أنه يتحتم عليّ وعلى أختي أوديت وأخي عزرا أن نهاجر إلى إسرائيل

علمنا آنذاك، للمرة الأولى، أن إيلي كان يعمل لصالح الهغناه (القوة العسكرية السرية في إسرائيل بين الأعوام 1920-1948 التي أصبحت لاحقًا جيش الدفاع الإسرائيلي). أخبرني أصدقاء مشتركون لنا أن إيلي كان على علاقة بأشخاص يستطيعون إنتاج تأشيرات سفر مزيفة لليهود الذين يرغبون في مغادرة مصر. فعلا انضم ايلي كوهين إلى منظمة الشباب اليهودي الصهيوني في الإسكندرية وبدا متحمسا للسياسة الصهيونية ،‏ وفي سنة‏ وبعد حرب 1948 اخذ يدعو مع غيره من أعضاء المنظمة لهجرة اليهود المصريين إلى إسرائيل وبالفعل في عام 1949عندما واجهتني صعوبة في الحصول على وثائق للمغادرة، توجهت إلى إيلي وطلبت مساعدته، إلا أنه أنكر أن باستطاعته المساعدة. لكني أعرف الآن أن رفضه كان عملاً أساسيًا للحفاظ على نفسه وعائلته. فقد كان من شأن مساعدة أحد أفراد العائلة أن يعرض غطاءه للخطر وأن يجعله عرضة للسجن، التعذيب والموت.

ثم قبل فوات الأوان، وبعد جهد جهيد حصلت على وثائق المغادرة. وفي أكتوبر 1949 سافرت أنا واثنان من أشقائي عزرا وأوديت إلى برينديسي في إيطاليا، حيث حصلنا على الوثائق الهجرة الضرورية للدخول إلى إسرائيل. وبعد عام انضم والدينا وبقية العائلة ألينا، عندما تخلف إيلي في الإسكندرية.

عندما بلغ عزرا سن 19 سنة وهو السن المثالي للالتحاق بما أصبح رسميًا جيش الدفاع الإسرائيلي، بينما بلغت أنا سن 21 سنة وحصلت على وظيفة في دائرة البريد

في عام 1952، أطاحت حركة الضباط الأحرار، وهي مجموعة ثورية دعمها البريطانيون وقادها جمال عبد الناصر (الذي أصبح لاحقًا رئيس مصر)، بالملك فاروق، وفي العام ذاته، تم اعتقال إيلي إلى جانب العديد من الآخرين، بشبهة الضلوع في نشاطات صهيونية. تم استجواب إيلي مطوّلاً من قبل المخابرات المصرية (وكالة الاستخبارات)، إلا أنه لم يثبت وجود أية علاقة ملموسة له مع أية حركة تخريبية.

في الفترة ذاتها، ‏ التحق هناك بالوحدة رقم ‏131‏ بجهاز أمان لمخابرات جيش الدفاع الإسرائيلي‏ تم إرسال أخي إلى دورة جاسوسية في إسرائيل. كانت قد مرت سنوات عدة منذ آخر مرة رأينا فيها إيلي، وهكذا يمكنك أن تتخيل ابتهاجنا عندما اتصل بشقيقتي أوديت ليعلمها أنه في البلاد. في الحال، أخبرتني أوديت باسم الفندق الذي كان ينزل فيه في تل أبيب، وذهبت بسيارتي لرؤيته، إلا أنني فوّت الفرصة. فقد اكتشف المشرفون عليه أنه اتصل بنا وأبعدوه بسرعة قبل وصولي إليه، وأعيد إلى مصر.

مزّقت الأوراق إربًا إربًا، مضغتها حتى أصبحت عجينة ورقية ثم قذفت بها خارج الشباك. وعندما وصلنا إلى مركز الشرطة، بقيت قطعة صغيرة من الورق في جيبي. لففت قطعة الورق بورقة نقدية قيمتها جنيه واحد وألقيتها على الأرض. كان ذلك أول عمل لي في الجاسوسية. .

من الممكن أن إيلي لم يعرف أن أخاه موريس، الذي كان يصغره بثلاثة أعوام، كان، أيضًا، عميلاً للموساد.

وأصبح في حينه عضوًا في وحدة الاستخبارات الإسرائيلية تحت قيادة (أبراهام دار) وهو أحد كبار الجواسيس الإسرائيليين الذي وصل إلى مصر ليباشر دوره في التجسس ومساعدة اليهود علي الهجرة وتجنيد العملاء‏،‏ التي كانت تحاول إفساد العلاقات بين مصر وبين الولايات المتحدة،. بدون أن نعرف، فقد كان التدريب والتخطيط لما عُرف لاحقًا بقضية لافون، على اسم وزير الدفاع الإسرائيلي إسحاق لافون واتخذ الجاسوس اسم( جون دار لينج‏) وشكل شبكة للمخابرات الإسرائيلية بمصر التي لقبت بلقب "سوزانا"، لاختراق سلسلة من التفجيرات ببعض المنشات الأمريكية في القاهرة والإسكندرية‏ بهدف إفساد العلاقة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية .

كشفت السلطات المصرية عام 1953 قضية لافون، وقامت باعتقال 11 يهوديًا، من بينهم إيلي. تم إطلاق سراح إيلي مرة أخرى نظرًا لعدم وجود أدلة، إلا أن رفاق إيلي لم يكونوا محظوظين إلى هذا الحدّ حيث أعدم اثنان منهم شنقا وجزّ الباقون في السجن. أدى هذا الحادث إلى إطلاق شرارة الهجمات الرسمية على منازل اليهود، وتم اعتقال اليهود المصريين، مجموعات مجموعات، طيلة السنوات الثلاث التي تلت ذلك الحدث. كان إلى تحت مراقبة المخابرات المصرية التي نم تنس ماضيه فاعتقلته مع بدء لعدوان الثلاثي ضد مصر في أكتوبر 1956

.‏.‏وبعد الإفراج عنه ، طُرد إيلي من مصر نهائيًا وهاجر إلى إسرائيل بمساعدة الوكالة اليهودية في مصر عن طريق نابولي ايطاليا، سكن مع والدينا في شقتهما في بات يام وتقدم بطلب للعمل كمترجم في عمليات الاستخبارات الإسرائيلية. على الرغم من براعته في اللغات، التدريبات الواسعة في مجال الاستخبارات ودوره في الحركة السرية الإسرائيلية، إلا أنه قد تم رفضه لعدم إلمامه في اللغة العبرية الحديثة.

كمواطن عادى، وجد إيلي وظيفة كمحاسب ومراقب في "همشبير"، وهي مجموعة من مستودعات البيع بالتجزئة. وانقطعت صلته مع "أمان" وبدا لفترة ما أن إيلي سيندمج في المجتمع الإسرائيلي بشكل خفي ومجهول، وتعلو على وجهي ابتسامة عندما أتخيل أنه تمتع بهذه الفترة القصيرة بعيدًا عن الجاسوسية.

في غضون ذلك، تمكنت جيدًا من اللغة العبرية وقطعت شوطًا طويلاً في حياتي الشخصية والمهنية. تزوجت عام 1952 من حانا شيرازي فتات يهودية من أصل عراقي وعملت كقائم لوائي بأعمال كل مدراء البريد الغائبون أسناء وجودهم في عطلة مرضية أو إجازة سنوية. بعد سنة، وُلد لحانا ولي ابننا الأول شاؤول ، وبعد ذلك بفترة قصيرة عُينت مديرا للبريد في إيلات. وكجميع الرجال في إسرائيل، خدمت أنا أيضًا في الاحتياط. وطُلب مني مرارًا، في الوقت الذي كنت فيه في الخدمة، بأن أنضم بصورة مستديمة إلى الاستخبارات العسكرية لكنني كنت متزوجًا بسعادة مع عائلة آخذة في نمو, ولم يكن لديّ أي اهتمام بأن أصبح بطلاً شهير أو أن أترك عشيّ السعيد الذي عملت على بنائه. وهكذا رفضت جميع العروض.

في الحقيقة، جميع أفراد عائلة كوهين كانوا منغمسين في حياتهم الشخصية. حتى إيلي وجد حبًا حقيقيًا على سطح الأرض، وكنت أنا الذي عرّفت ناديا مجلد بأخي الكبير.

في أحد الأيام، اتصلت بي زوجتي في العمل، لتطلب مني أن أمرّ على معمل الخياطة التابع لأختها هيلا لأحضر لها ثوبين كانت قد قامت بتعديلهما. عند وصولي إلى الحانوت، وجدت هيلا تعمل على قياس ثوب جديد لشابة فائقة الجمال. من الواضح أنني أثرت فضول الشابة وسألت هبلا بلهجة عربية عراقية حادة ومفعمة بالحيوية كيف تعرفت على هذا الشاب الوسيم. "هل هو شكنازي؟ ما هو أصله؟"وبعد أن قالت هيلا أنني زوج أختها، احمر وجه الشابة، وأضافت بخجل، "لو كنت أعزب، لكنت عرّفتك على أختي ناديا التي تعيش مع والدينا في الجانب الآخر من الشارع. ابتسمت وقلت لها، "إذا كانت أختك ناديا جميلة مثلك، سيسرني ترتيب لقاء لها مع أخي." أنجزنا جميع الترتيبات الضرورية، وعند التقاء ناديا وإيلي، كان واضحًا على الفور أنه من المقدر أن يكونان سوية. كان إلياهو، في الثلاثين من عمره، شخصية سمراء ووسيمة؛ كان لبق الحديث ومهذب. ناديا فتات يهودية من أصل عراقي، كانت ابنة الخامسة والعشرين، رشيقة القوام، قمحاوية البشرة وأطول من إيلي بقليل.

تزوج إيلي وناديا في آب عام 1959، بمراسيم متواضعة في كنيس سفا رادي في تل أبيب، واستقرا بجوار والدينا في بيت يام، واندمجا مع ابنتهم الأولى صوفي بيسر في مشهد الطبقة الوسطى الإسرائيلية.

في غضون ذلك، واصلت الاستخبارات الإسرائيلية محاولاتها في تجنيدي. خرجت في عطلة من عملي عام 1960 للقيام بمهمة. ونظرًا لإتقاني العديد من اللغات، تخصصت في علم التشفير.

كذلك سعت الاستخبارات الإسرائيلية لتجنيد إيلي الذي كان قد أتقن العبرية. فقد تم تجنيده من قبل شعبة الاستخبارات، وهي شعبة من جيش الدفاع الإسرائيلي المعروفة بالتسمية العبرية المختصرة "أمان"، والتي تعني "شعبة الاستخبارات". في البداية رفض إيلي‏, الذي كان يستمتع بالبيت والعائلة ‏,الانضمام ، إلا أنه فقد عمله في "همشبير" بشكل غامض، وبعد أن أصبح غير قادر على إعالة عائلته قبل عرض" أمان" في نهاية الأمر.

وقد رأت المخابرات الإسرائيلية في أيلي كوهين مشروع جاسوس جيد فتم إعداده في البداية لكي يعمل في مصر‏,‏ ولكن الخطة ما لبثت أن عدلت‏,‏ ورأي أن أنسب مجال لنشاطه ألتجسسي هو دمشق‏.‏ وبدأ الإعداد الدقيق لكي يقوم بدوره الجديد‏, ‏ ولم تكن هناك صعوبة في تدريبه علي التكلم باللهجة السورية‏, ‏ لأنه كان يجيد العربية بحكم نشأته في الإسكندرية

ورتبت له المخابرات الإسرائيلية قصة ملفقه يبدو بها مسلما يحمل اسم (كامل أمين ثابت) هاجر وعائلته إلى لإسكندرية ثم سافر عمه إلى الأرجنتين عام 1946 حيث لحق به كامل وعائلته عام 1947 وفي عام 1952 توفى والده في الأرجنتين بالسكتة القلبية كما توفيت والدته بعد ستة أشهر وبقى كامل وحده هناك يعمل في تجارة الأقمشة.

وتم تدريبه على كيفية استخدام أجهزة الإرسال والاستقبال اللاسلكي والكتابة بالحبر السري كما راح يدرس في الوقت نفسه كل أخبار سوريا ويحفظ أسماء رجالها السياسيين والبارزين في عالم الاقتصاد والتجارة. مع تعليمه أصول الآيات القرآنية وتعاليم الدين الإسلامي بعد فترة من التدريب المكثف ونقله من جيش الدفاع الإسرائيلي إلى الموساد، تم إرسال إيلي إلى الأرجنتين. يوجد لدينا في الأرجنتين أقرباء، وكنت قد التقيت، بعد سنوات عدة، خالتنا التي أخبرتني أنها التقت إيلي هناك. قال لها إيلي أنه كان مجرد سائحًا حمل تحيات أبناء أختها من البلاد القديمة إليها. وقد شكّت في أن يكون إيلي ابن أختها لكنها لم تتأكد من ذلك. إنها لمخاطرة من قبل أخي أن يكون وديًا تجاه أفراد من أبناء العائلة

بطاقة عمل أيلي، المعروف أيضًا كثابت

إلا أن خلفية عائلتي بالتحديد هي التي جعلت إيلي ذا قيمة للموساد. فقد قضى إيلي طفولته، مثل بقية أفراد العائلة، في استيعاب اللهجة العربية الحلبية المستخدمة في البيت، وكان قد سمع الكثير من الحكايات عن سوريا لتسمح له بأن يبدو جيد المعرفة بتعقيداتها ومنعطفات الحياة فيها.

أدرك الموساد قيمة هذه الفرصة وقام بتحويل إيلي إلى رجل جديد. أصبح أخي، حرفيًا، كامل أمين ثابت، مهاجر سوري ثري ورث ثراء ضخم ومشروع تجاري عائلي عن والده. قام كامل أمين ثابت بإنفاق ماله (الذي زوده به رؤساؤه في الموساد) بشكل بارز في استضافة الحفلات، وعبّر عن رغبته الحقيقية في العودة إلى سوريا للمساهمة في تطوّر الحكومة والعمل على دمار إسرائيل.
إعدام الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين


قبل منتصف الليل بدقائق شعر أن نهايته اقتربت.. سمع خطوات أحذية الجنود الثقيلة تهز «الطرقة» المظلمة المؤدية الى زنزانته.. أعقبها صرير المفاتيح في البوابة الحديدية.. وعلى الضوء الباهت رأى فرقة الإعدام أمامه.. فهب واقفا دون أن ينطق بكلمة واحدة.. قال له رئيس المحكمة العسكرية:
بعد قليل سينفذ فيك حكم الإعدام شنقا حتى الموت.. ارتد ملابسك .. ثم تراجع الى الخلف قليلا ليفسح الطريق الى حاخام دمشق العجوز بظهره المنحني ولحيته البيضاء وصوته المخنوق كي يبدأ صلاته.
خرج موكب إعدام الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين في سجن المزة في حراسة مشددة الى قلب دمشق.. حيث يقف عمود الشنق منذ سنوات طويلة.. ليتسلمه جلاد سوريا.. أبو سليم الذي كان في انتظاره.. وبعد 90 ثانية جرى كل شئ.. كسرت رقبته.. وتدلى رأسه على صدره.. وصعدت روحه الى السماء.. كان ذلك في الساعة الثالثة والنصف وخمس دقائق من صباح يوم 18 مايو 1965.
بعد نصف دقيقة تقدم رئيس المحكمة العسكرية ليعلق على الكيس الأبيض الذي غطى جسم الجاسوس الإسرائيلي ورقة بيضاء كبيرة كتب عليها بحروف بارزة منطوق الحكم: إلياهو بن شاؤل كوهين حكم عليه بالإعدام باسم الشعب العربي السوري بتهمة الدخول الى المناطق العسكرية المغلقة وتسليم العدو أسرارا عسكرية .
. وبعد نحو أربعين سنة على ذلك المشهد وبالتحديد منذ عدة أيام قريبة مضت.. تقدمت إسرائيل بالطلب رقم خمسمئة لتسليم رفاته.. لكن.. للمرة الخمسمئة أيضا رفض الطلب.
إن قصة إيلي كوهين.. هي واحدة من أغرب قصص الجاسوسية وأكثرها إثارة.. فقد نجح ذلك الرجل الذي ولد في مصر وعاش فيها حتى سن الثانية والثلاثين في أن يخترق السلطة الحاكمة في سوريا.. ويكون واحدا من رجالها.. بما في ذلك رئيس الجمهورية في منتصف الستينيات الجنرال أمين الحافظ.. إنه رأفت الهجان على الطريقة الإسرائيلية.. لكن.. مع فارق واحد.. أن رأفت الهجان لم يكشف.. وبقي حتى دفن في مصر نموذجا للعمل السري المثالي.
لقد عاش إيلي كوهين في الاسكندرية وتعلم في مدارسها وجامعاتها في وقت كان فيه اليهود يعيشون بيننا في أمان ويصل عددهم الى 300 ألف نسمة ويسيطرون على أنشطة تجارية مختلفة.. وكان من الممكن أن يبقوا كذلك لولا أنهم راحوا يعملون سرا لصالح اسرائيل.. جمعوا التبرعات من أجلها.. ونظموا عملية الهجرة اليها.. ولم يترددوا في القيام بعمليات التخريب السياسية ضد بريطانيا أحيانا.. مثل عملية اغتيال اللورد موين في عام 1944.. وضد مصر أحيانا.. مثل عملية لافون في عام 1954.
اعتقل إيلي كوهين أكثر من مرة.. لكنه استطاع النجاة.. وقد أصر على البقاء في مصر رغم ما يتعرض له من متاعب حتى ينهي مهمته المكلف بها.. وهي تهريب ما تبقى من اليهود المصريين الى اسرائيل عبر عواصم أوروبية مختلفة.. وفي نهاية عام 1956 ترك مصر بالطريقة نفسها.. الحصول على جوازات سفر غربية.. والرشوة المالية والجنسية.
في إسرائيل عمل مترجما في أرشيف الجرائد بوزارة الدفاع.. فقد كان يجيد الفرنسية والعربية والعبرية والإنجليزية.. لكنه.. كان يشعر بأنه يضيع وقته في مثل هذا العمل.. ويتحرق شوقا للعمل السري..
وعرض مواهبه على رؤسائه.. وبعد طول صبر استجابوا.. ووضعوه بين يدي ضابط تدريب محترف يسمونه الدرويش.. أجرى له الفحوص الطبية والنفسية والبدنية والعصبية.. وكانت النتائج لصالحه.. ثم نزل به الى ميدان التجربة.. وتقمص شخصية سائح فرنسي من أصل مصري اسمه مارسيل كوان..
ووضع تحت المراقبة كي يعرفوا كيف سيتصرف؟.. ونجح في كل الاختبارات.. واقتنعت المخابرات الإسرائيلية بأن من الممكن زرعه في أي عاصمة عربية بدون شخصية سائح بل بشخصية مواطن عربي.. فمظهره الخارجي يدل على ذلك ولهجته العربية صحيحفي خريف عام 1960 بدأ الدرويش في تجهيزه واعداد هويته الجديدة.. أرسله الى الشيخ محمد سلمان في الناصرة بصفته طالبا في الجامعة العبرية يجري بحثا عن الإسلام.. كان قد تعلم الصلوات الخمس.. وحفظ بعض آيات القرآن.. وحمل معه مصحفا بصورة دائمة.. واختير له اسما جديدا هو كمال ثابت أمين.. ابن إحدى العائلات السورية المهاجرة الى الأرجنتين والذي يرغب في العودة الى وطنه الأم.
بعد سنة تقريبا هبط إيلي كوهين باسمه الجديد الى بيونس أيرس بعد أن توقف عدة أيام في زيورخ والتقى بمدير محطة الموساد هناك الذي أسس له مكتبا للاستيراد والتصدير يضاعف من تخفيه.. وأعطاه قائمة بأسماء عرب في الأرجنتين وعنوان نادي الإسلام.. حيث يلتقي المهاجرون الشرقيون فيه.. كانت مهمته في بيونس أيرس أن يحصل على رسائل توصية من السوريين هناك تساعده عند سفره الى دمشق.
في نادي الإسلام تعرف على عبداللطيف الخشن محرر مجلة أسبوعية اسمها العالم العربي وقوى صلته به حتى وعده برسائل التوصية التي يريدها إذا ما قرر العودة الى سوريا.. وفي يوم من الأيام قابل الجنرال أمين الحافظ الذي كان ملحقا عسكريا في السفارة السورية..
وفي هذه المقابلة بدا متحمسا لحزب البعث باعتباره الحزب الوحيد الذي سيعيد أمجاد بلاده.. وفي تلك المقابلة لم يعرف أمين الحافظ أنه فيما بعد سيجد نفسه رئيسا للجمهورية وسيجد بالقرب منه أخطر جاسوس إسرائيلي زرعته الموساد.
بعد ستة شهور حصل إيلي كوهين على تأشيرة دخول سوريا ومصر ولبنان دون مشاكل.. وخلال تلك الفترة التي قضاها في المهجر كان يرسل برسائله الى زوجته ناديا عبر محطة الموساد في زيورخ التي عاد اليها في طريقه الى اسرائيل قبل أن تبدأ مهمته الحقيقية في سوريا.. وفي اسرائيل دربوه على الأعمال الخفية.

. وطرق القتل العنيفة.. وكيفية إرسال واستقبال الرسائل بالشفرة.. وحمل معه خلاطا كهربائيا كان في قاعدته جهاز الإرسال.. وسافر الى ميونخ هذه المرة ومنها الى بيروت على ظهر السفينة ستوريا وكانت معه قائمة بأسماء ركابها.. ومنهم الشيخ مجد الأرض.. وهو من العائلات العريقة في دمشق.. وقد تعرف عليه.. وأقنعه بدخوله سوريا بسيارته البيجو الجديدة التي كانت معه في مخزن السفينة بعد أن أصبحا صديقين خلال الرحلة.
بسهولة شديدة دخل سوريا من الحدود اللبنانية البرية بعد يوم قضاه في بيروت هو والشيخ مجد الأرض الذي كان مولعا بالسهر وحياة الليل.. كان يوم 10 يناير 1962 هو يومه الأول في دمشق..
وعلى الفور راح يبحث عن شقة تكون قريبة من مقر قيادة الأركان السورية لتكون سكنا ومقرا لشركته التي ستصدر المنتجات السورية الى أوروبا والمهجر.. ونجح في الحصول عليها في حي أبي رومانة.. حيث القيادة.. والبنوك.. والسفارات الأجنبية ومن بينها السفارة الهندية.
تعرف إيلي كوهين بسرعة مذهلة على عدد من الشخصيات السورية المهمة.. ضابط في الجيش اسمه معز زهر الدين.. عمه كان رئيس الأركان عبدالكريم زهر الدين.. وقد ساعده على زيارة المناطق العسكرية المغلقة بدعوة رغبته في رؤية العدو الصهيوني.. وجورج سيف وهو من كبار موظفي وزارة الإعلام ومسئول عن الإذاعة والتليفزيون..
وهو ما أتاح له دخول الاحتفالات والمؤتمرات دون عوائق.. وهو أيضا الذي أعاد الجسور بينه وبين أمين الحافظ بعد عودته من الأرجنتين.. لكن.. شيئا ما فتح أمامه الباب ليدخل منه كل ما لم يتخيل من الشخصيات السورية المهمة.. لقد طلب منه جورج سيف أن ينظم حفلات خاصة حمراء يحضرها الكولونيل سليم حاطوم مع بعض الفتيات..
وسرعان ما أصبحت مثل هذه السهرات اعتيادية كل أسبوعين على الأقل.. ومع الخمر والنساء والموسيقى كانت الملابس تخلع.. والقيود تكسر.. والأسرار تعلن دون حذر.. بما في ذلك أسرار ما يجري من صراعات على السلطة.. وكان ذلك يصل الى إسرائيل أولا بأول..
بواسطة جهاز الإرسال غالبا.. وبواسطة التقارير المباشرة أحيانا.. فقد سافر الى زيورخ ومنها الى تل أبيب أكثر من مرة.. بدعوى الترويج للمصنوعات السورية في أوروبا.
في 8 مارس 1963 وقع إنقلاب عسكري بقيادة زياد الحريري وتولي أمين الحافظ وزارة الداخلية وأصبح مسئولا عن المخابرات الداخلية.. وفيما بعد برق نجمه وعين رئيسا لمجلس الرئاسة السورية.. وهكذا.. جرف التيار إيلي كوهين الى صفوف كبار المسئولين في سوريا.. ومنهم الكولونيل صلاح ظلي الذي انضم لشلة السهرات.. والذي قدر له أن يكون رئيسا للمحكمة العسكرية التي حاكمت إيلي كوهين بعد كشفه.
هناك أكثر من رواية لكشفه.. الأولى أن المصريين تعرفوا عليه من صورة نشرت له.. وعرفوا من ملفاتهم القديمة إنه إيلي كوهين.. والثانية هي الأكثر شيوعا فتؤكد أن القبض عليه جرى بعد أن اشتكت السفارة الهندية القريبة من بيته من التشويش على إرسالها.. فطلبت المخابرات السورية من السوفييت أن يبيعوا لها جهازاً خاصاً يتعقب التشويش..
وبعد وصول الجهاز جرى إطفاء النور عن الحي فلم تبق سوى الإشارات التي يرسلها جهاز إيلي كوهين وكان لحسن الحظ يعمل بالبطارية وليس بالكهرباء.. وصعدت مجموعة القبض عليه برئاسة الكولونيل أحمد سويداني لتضبطه متلبسا وهو يرسل تقريره بعد حفل صاخب كان فيه بعض المسئولين.. وبجوار جهاز الإرسال كان التقرير المكتوب بخط يده كما هو.
كان ذلك في الساعة الثامنة من صباح يوم الخميس 8 يناير عام 1965.. لتنتهي القصة بإعدامه.. ولكن.. لايزال الفصل الأخير فيها مفتوحا.. وهو الحصول على رفاته.

اسرى الجولان ينفون امام النائب بشارة افتراءات ابنة الجاسوس الاسرائيلي ايلي كوهين

قام النائب عزمي بشارة بزيارة الى سجن الجلبوع للاطمئنان على احول الاسرى العرب وظروفهم والتقى كل من الاسرى سمير سيرساوي ومحمد اسعد كناعنة (سكرتير حركة ابناء البلد من عرابة) وتباحث معهما في ظروف السجن وقضايا السجناء بشكل عام وفي قضايا تحديد العقوبة والثلث خاصة وقضايا اخرى تهم الجماهير العربية في الداخل. كما التقى الاسير السوري صدقي المقت ابن هضبة الجولان المحتل..

وقال النائب عزمي بشارة انه خلال الزيارة نفى الاسير صدقي المقت باسم الاسرى السوريين بشدة الانباء المغرضة التي نشرت باسم ابنة الجاسوس الاسرائيلي ايلي كوهين حول ان املهم الوحيد هو صفقة للافراج عن اسرى سوريين مقابل اعادة رفات الجاسوس كوهين من دمشق الى اسرائيل. وقال المقت الذي يقبع في السجن منذ عشرين عاما ان المذكورة قامت بزيارة السجن بتسهيل من السلطات الاسرائيلية ومعها طاقم تصوير وان الامر برمته تم اخراجه ليبدو وكأن الاسرى السوريين مساكين وبحاجة لمساعدتهم.

واكد الاسرى السوريون انهم رفضوا التعاون معها كما رفضوا ربط قضية تحرر ونضال الاسرى ضد الاحتلال بقضية جاسوس تجسس على دولة اخرى لالحاق الاذى بها. واضاف الاسرى انهم ابلغوا صوفي كوهين ابنة الجاسوس كوهين ان عنوانها هو حكومتها هي وليس الاسرى السوريين وان قيادتهم هي الدولة السورية وعلى رأسها الرئيس بشار الاسد وان هذا الموضوع لا يخضع للنقاشات والاجتهادات بل هو موضوع وطني من الدرجة الاولى.

وبدا ان الاسرى السوريين يعلقون اهمية كبرى على تكذيب ما ورد في وسائل اعلام عربية وعبرية حول زيارة صوفي كوهين للسجن ومحاولتها استخدام الاسرى من اجل اجندتها فقد طلبوا بواسطة اهاليهم من بشارة ان يزورهم كموضع ثقة وطلبوا منه نقل رسالتهم الى الرأي العام.

ايلي كوهين"جاسوس العصر" كاد يصبح وزيراً في سوريا لولا... تشويش اللاسلكي

الموضوع: جرائم حرب إسرائيلية تحقيق صبحي ياغي :عادت قـضـية الجاسوس الاسرائيلي ايلي شاؤول كوهين, الى التداول بعد مطالبة زوجته ناديا باعادة جثته الى اسـرائيل, وقالت ان رئـيس جهـاز الموساد الاسرائـيلي مئيـر داغـان اكـد لـها ان الوسـيـط الالماني المكلف الاشراف على محادـثات تـبادل الاسـرى بين "حـزب الــله" والحـكـومـة الاسـرائيـلـية وعـد بإثـارة هـذه المسألة في المرحلة الثانية من اتفاق تبادل الاسرى. .

وكان كوهين تمكن من الانتقال الى سوريا بمهمة تجسس, في الستينات من القرن الماضي, وعندما اكتشف امره اعدم شنقا في دمشق في العام 1965, ورفضت سوريا تسليم جثته الى اسرائيل. وقد وضعت روايات ومؤلفات كثيرة عن هذا الجاسوس الخطير, حملت بعضها مبالغات لا يتصورها العقل, لكن اكثر هذه المؤلفات موضوعية كان كتاب ELI COHEN, le combattant de Damas (ايلي كوهين - محارب دمشق), للمحامي الفرنسي جاك مارسييه. في الاسكندرية في مصر, ولد ايلي كوهين في 26 كانون الاول 1924, من أب يدعى شاؤول كوهين, وام تدعى صوفي. وكان الاب ترك حلب عام 1900, ليستقر في مصر, ويعمل في صنع ربطات عنق من الحرير الفرنسي الخالص. منذ الصغر احرز ايلي كوهين تفوقا ملحوظا في دراسته, كما اجاد اللغتين العبرية والفرنسية بشكل جيد, وهو ما زال على مقاعد الدراسة. وتميز بذاكرته القوية التي جعلته يحفظ ارقام السيارات التي كانت تمر من امام شرفة منزله, بعد تدوينها وتقديمها الى والده, ليعود ويذكر له تلك الارقام المسجلة دون خطأ. وتمتع كوهين, بحس ديني, بعكس اخوته. فكان يقصد الكنيس اليهودي في استمرار, ويتمتع ببنية قوية, وكان يمارس السباحة, ورياضة المشي الطويل على شاطئ البحر. ويقول عنه رفقاؤه, انه كان الاول في صفه, وفي اي موضوع, وكان يمضي وقته في المطالعة والبحث والتنقيب. كما كان يهوى التصوير الفوتوغرافي, لذا فقد اهداه والده كاميرا في عيد البلوغ (بار مستفا) لدى اليهود. وانشأ كوهين في منزله غرفة سوداء, كان يمضي فيها نهاره في تحميض الافلام, وتظهيرها, ليعود الى التجوال في احياء مصر يلتقط الصور للمناظر الطبيعية والاصدقاء. في العشرينات من عمره, حدثت تحولات في شخصيته, فقد بدأ يتخلى عن الاهتمام الديني الى علوم الرياضيات, والفيزياء, ونزع من رأسه طموحا داعبه منذ الصغر بأن يصبح حاخاما يهوديا. وهذا ما اثار استياء الحاخام الذي كان يدرّسه ويعلمه اصول الديانة اليهودية, وكان يتوقع له ان يصبح من كبار دارسي التلمود. عام 1940, اثناء الحرب العالمية الثانية, كان كوهين يراقب الطائرات الالمانية التي كانت تغير على المواقع البريطانية في مصر محاولا تصويرها, رافضا نداء امه وتوسلاتها بالعودة الى الملجأ. وكانت الدعاية الصهيونية قد فعلت فعلها في غزو افكار يهود العالم, وفي دفعهم الى الهجرة الى ما سمته "ارض الميعاد". وقد تأثر كوهين بهذه الدعوة, وزاد في الامر اعدام الشابين اليهوديين الياهونيت زوري, والياهو حكيم, بتهمة اغتيال وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الاوسط اللورد موين, خارج منزله في القاهرة. ولم يطل الوقت, حتى انشأ جهاز "علياه بت", التابع للموساد الاسرائيلي, فرعا سريا له في مصر عام 1944. اذ كان هذا الجهاز مكلفا مساعدة اليهود العرب, وتأمين التسهيلات لهم للهجرة الى فلسطين وانخرط كوهين في هذا الجهاز, ليتولى مسؤولية متابعة معاملات المهاجرين في الدوائر والسفارات, مستخدما الرشاوى, والاغراءات. واتقان كوهين للغات العربية والفرنسية والالمانية ساعده الى حد كبير في عمله ومهماته. وكانت تلك المهمة فاتحة العمل الاستخباراتي في حياته. عام 1950, اخذت الدعوة الصهيونية للهجرة الى ارض الميعاد مجدها, الامر الذي حمل اسرة كوهين على تلبية هذه الدعوة, والرحيل الى فلسطين. لكن ايلي كوهين آثر البقاء في مصر, لدوافع امنية, والتحق في تلك الفترة بجامعة الملك فاروق, ليعود ويطرد منها, فانصرف الى مساعدة اليهود المصريين على الهجرة الى فلسطين, بحيث لم يبق في مصر عام 1951 سوى مئة ألف يهودي من اصل 300 الف. عام 1951, زار مصر رجل يهودي غير عادي, هو ابراهام دار, ابرز مسؤولي المحطات الامنية في جهاز الموساد, الذي كان مكلفا تشكيل خلايا امنية تجسسية, تعمل لمصلحة الاستخبارات الاسرائيلية في مصر, وكان ايلي كوهين من ابرز عناصر هذه الخلايا, التي بدأت تنشط في توطيد علاقاتها مع المجندين في الجيش المصري, واستطاعت تجنيد بعضا منهم, بعد خضوعهم لدورات امنية في اسرائيل, ليعودوا للعمل في مصر بقيادة عميل اسرائيلي قدير يدعى ماكس بينيت. وتولى كوهين مسؤولية الاتصالات (عامل الراديو), مع محطة الموساد, واظهر براعة في تلقي الرسائل وفي الرد عليها, مما لفت انظار مسؤوليه. في 23 تموز 1952, تمكنت خلايا الضباط الاحرار المصريين, من القيام بانقلاب عسكري برئاسة اللواء محمد نجيب, ادى الى خلع الملك فاروق عن عرشه, ونفيه مع عائلته الى خارج البلاد, والغاء عهد الملكية وتركيز حكم جمهوري. عام 1954, تسلم الرئيس جمال عبد الناصر رئاسة الدولة, معلنا سياسته التي ارتكزت على الدعائم القومية والوطنية, ومحاربة اسرائيل والعمل على تحرير فلسطين. هذا الجو المشحون بالروح القومية وبالعداء لاسرائيل والقوى المتحالفة معها, أثر على عمل كوهين ورفقائه, وحدّ من تحركاتهم, في الوقت الذي قررت فيه اسرائيل القيام بعمليات تخريب ارهابية في مصر, شملت مؤسسات بريطانية واميركية, والصاق تهمة هذه الاعمال بالشيوعيين والمسلمين المتطرفين والعرب, وذلك بغية تحريض واشنطن ولندن. لكن الاستخبارات المصرية تمكنت من اكتشاف شبكات التخريب الاسرائيلية, واعتقال افرادها, والقاء القبض على كوهين, الذي استطاع الصمود اثناء التحقيق معه, واقناع مستجوبيه ببراءته, وعدم علاقته بكل ما جرى, في الوقت الذي حكم على زملائه بالاعدام شنقا. بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 والذي قامت به كل من فرنسا واسرائيل وبريطانيا, كرد على قيام الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس, وبعد خروج مصر منتصرة من هذه الحرب, عمدت السلطات المصرية الى ترحيل عدد كبير من اليهود المصريين, بسبب مواقفهم المعادية التي اظهروها اثناء العدوان, وكان كوهين من بينهم, وقد دمغ جواز سفره بخاتم "لا عودة". وفي 20 كانون الاول 1956, غادر كوهين مصر نهائيا الى اوروبا, ومنها الى حيفا, ليتسلم مع امثاله من المهاجرين اليهود, وثائقه التي تثبت انه مواطن اسرائيلي, يتمتع بكامل الحقوق والواجبات. انضم كوهين الى اسرته التي فرحت بلقائه, لكنه كان يشعر بالغربة, طالما ان اخاه الصغير افراهام الذي يصغره بعشرين عاما, حدّق به مستغربا, متسائلا: من هو هذا الرجل? ولعل عمل كوهين مع المخابرات, جعلت منه انسانا كتوما, صامتا, حتى ان افراد اسرته, كانوا يجهلون طبيعة عمله ونشاطاته! وقد زادت هجرته الى اسرائيل من مرارته وخيبة امله. فقد اصابته الدهشة لرؤية عدد من الاسرائيليين يمارسون اعمالا مخالفة للشريعة اليهودية, وتعاليم التوراة, فضلا عن التمييز العنصري الذي لاقاه في اسرائيل بين اليهود الغربيين واليهود الشرقيين. وتسببت ملامحه العربية وبشرته السمراء اللون بمتاعب كثيرة له, فضلا عن معاناته المالية, التي جعلته يعتمد على عائلته للحصول على مصروفه الشخصي. عام 1957, بدأ ايلي كوهين يعمل كمترجم للصحف العربية في وزارة الدفاع الاسرائيلية لكنه استقال من عمله ليعمل محاسبا في احدى الشركات في تل ابيب. عام 1959 تزوج اليهودية العراقية ناديا, وامضيا شهر العسل في مدينة ايلات على شاطئ البحر الاحمر الشمالي. لكن الاستخبارات الاسرائيلية رأت في كوهين مشروع جاسوس جيدا, والتقى كوهين لهذه الغاية كبار ضباط المخابرات, وتم الاتفاق على عودة كوهين للعمل مع الموساد وقيامه بتنفيذ مهمة داخل سوريا, اذ كانت الخطة تقضي ان ينتحل كوهين اسم كامل امين تابت ويهاجر الى الارجنتين, على انه سوري الجنسية, وان يدّعي ان والده انتقل من سوريا الى بيروت حيث ولد كوهين هناك, ثم انتقلت العائلة الى الاسكندرية, وقرر انه بعد وفاة والده العودة الى وطنه سوريا, للمشاركة في مشاريع اقتصادية وخدمة ابناء شعبه وتحقيق امنية والده. وبما ان مهمة كوهين كانت خطرة جدا, طلب منه مسؤولوه التكتم والسرية المطلقة في هذا الامر وعدم اطلاع زوجته او افراد اسرته على طبيعة عمله ومهمته. ولنجاح خطته, اوهم كوهين زوجته ناديا انه ترك عمله في الشركة, لينصرف الى التجارة الحرة, وانه مضطر للسفر بسبب هذا العمل, لكن زوجته وعلى الرغم من شكوكها في الامر, وافقت على مضض. تدريبات في تل ابيب انتقل كوهين بسرية تامة الى شقة تابعة للموساد في تل ابيب, ليبدأ مرحلة من التدريبات الامنية القاسية, على ايدي كبار المدربين في جهاز الموساد, فكان لا يغادر شقته الا باذن مسؤوليه, وبرفقة عناصر من الاستخبارات الاسرائيلية. وتلقى كوهين تدريبات متنوعة من طريقة الكتابة بالحبر السري, واستخدام اجهزة الاتصالات, والشيفرة, والتنصت, وطرق التفخيخ والتفجير, الى تدريبات في المصارعة, والجودو, وكيفية استخدام الاسلحة الفردية, والتمييز بين الآلات العسكرية والطائرات الحربية السوفياتية والغربية, وكيفية اقتحام المنازل, ووسائل اخفاء الوثائق السرية والمهمة... وأدهش كوهين مدربيه لما ابداه من قدرة على الفهم والاستيعاب بسرعة ودقة, وامضى اسبوعين في شوارع تل ابيب, في ممارسة لعبة المطاردة مع رجال الموساد الذين استطاع تضليلهم والافلات منهم, حتى اعلن رؤساؤه نجاحه وتفوقه في الدورة التي خضع لها. دراسة الدين الاسلامي في شهر ايلول من عام 1960, نُقل كوهين الى مدينة الناصرة في فلسطين, وقدّم الى الشيخ محمد سلمان, بوصفه طالبا في جامعة القدس, لتلقي اصول الدين الاسلامي والشريعة الاسلامية, واستطاع كوهين حفظ الآيات القرآنية عن ظهر قلب, وبدأ بتأدية الصلاة الجماعية مع المسلمين. المرحلة الثانية من التدريبات تركزت على دراسته تاريخ الجمهورية العربية السورية, وعاداتها الاجتماعية, وتقاليدها, واوضاعها السياسية والاقتصادية, وحفظ اسماء المدن السورية وخصائصها, وكثيرا ما كان يمضي الساعات مستمعا الى الاذاعة السورية, ليتمكن من حفظ اللهجة المحلية واصولها. كما ان طبيعة مهمته فرضت عليه تعلم اللغة الارجنتينية, وتاريخ الارجنتين وعاداتها وتقاليدها. البداية في مستهل العام 1961 أعطي ايلي كوهين اشارة الانطلاق. وفي الاول من آذار, كانت طائرة "سويس إير" تحط في مطار "ازيزة", في بيونس ايرس, ومن بين ركابها ايلي كوهين, الذي كان انيق الهندام, حسن المنظر. وبعد اتمامه معاملاته في المطار, توجه بهدوء, مستقلا سيارة اجرة, ليقيم في فندق في شارع افنيدا نويفي دي جوليو, باسم كامل امين تابت, ومهنته تاجر, يحمل جواز سفر سورياً. وبعدما امضى اياما عدة في النزهات والتنقلات, عاد لاستئجار شقة في "1405 اتاكورا", وبدأ يجالس ابناء الجاليات العربية في مطاعم بيونس ايرس. لكن تركيزه كان على الشخصيات السورية. وكان كامل امين تابت يقصّ سيرته الوهمية على زملائه من السوريين والعرب, وكيف ان والده امين وامه سعيدة, غادرا بلدهما في سوريا, قاصدين العمل في بيروت, حيث ولد هناك مع شقيقته عينا, التي توفيت وهي ما زالت صغيرة, وكيف ان الحظ لم يصب هذه العائلة التي عادت الى الهجرة والترحال, لتقصد مصر, ثم تستقر في نهاية المطاف في الاسكندرية, حيث امضى كامل امين تابت اكثر ايام طفولته, وكيف ان عائلته بقيت محتفظة بجنسيتها السورية, وان والده اوصاه وهو على فراش الموت بالعودة الى مسقط رأسه, والاقامة النهائية في بلده سوريا. في هذه الفترة زاره احد عملاء الموساد, ويدعى اسرائيل زالنجر, لتفقد احواله, ثم اخذه برحلة الى سويسرا لتسوية بعض الامور, والتعرف الى المصانع والمعامل والشركات التي من المفروض ان يكون كوهين قد بدأ يتعامل معها تجاريا. في سويسرا زود كوهين برقم صندوق بريد في زوريخ, اضافة الى صور فوتوغرافية, وهي عبارة عن مونتاجات تم تركيبها ودمجها باتقان, بحيث يصعب اكتشافها. وعاد كوهين الى الارجنتين ليتلقى دورات جديدة على اصول اللغة الارجنتينية, بناء على طلب العميل الاسرائيلي في الارجنتين "ابراهام". وبدأ كوهين (كامل امين تابت) توسيع علاقاته وصداقاته في اوساط المغتربين السوريين, بمآدب عشاء عامرة كان يقيمها في شقته المفروشة, في جو حميم و"كرم حاتمي" لا مثيل لهما, وحديثه الدائم عن حنينه لوطنه سوريا, عارضا على ضيوفه صوره مع والديه في الاسكندرية, لاقناعهم بصوابية كلامه وحقيقة شخصيته. ولم تكن هذه الصور الا مونتاجات مزيفة من اعداد القسم الفني في جهاز الموساد. وتمكن كامل تابت من توطيد صداقة وطيدة مع الملحق العسكري في السفارة السورية وقتذاك امين الحافظ (ابو عبدو) الذي اصبح بعد ذلك رئيسا للجمهورية. ولكن المكتب الثاني السوري, في بيونس ايرس ساورته الشكوك حول حقيقة كامل امين تابت, وبدأ بتحرياته, ووجد ان كل ما تحدث به كامل تابت مطابق للواقع, اذ ان هناك فعلا شخصا يدعى كامل تابت, وانتقل الى الاسكندرية وبيونس ايرس, وعمل في اماكن عدة, وهو في سن ايلي بالضبط. وكثيرا ما دخل كوهين الى شقته ليجد اثاثها قد قلب رأسا على عقب, وتم اخذ صور من البوماته. وتوصل المكتب الثاني السوري الى اقتناع بصدق حقيقة كامل امين تابت, وصرف النظر عن متابعة نشاطاته الرحلة الى سوريا في اواخر العام 1961 اعلن كامل امين تابت لزملائه السوريين انه يستعد للسفر نهائياً الى دمشق, وغمرت الفرحة قلوب الجميع لعودة كامل تابت الى سوريا, واشادوا بوطنيته, وشهامته, وعمدوا الى تزويده عناوين كبار الشخصيات السورية في دمشق ليساعدوه ويعاونوه. وكان قرار سفر كوهين الى سوريا بناء لامر من قيادة الموساد. وقبل انتقاله الى سوريا زار اسرائيل, وتفقد زوجته التي كانت ما زالت تجهل حقيقة عمله, واجتمع كوهين بقادته الذين زودوه التعليمات اللازمة, وبأدوات الكترونية واقراص سامة على شاكلة اقراص الاسبرين لاستعمالها عند الضرورة, وبمواد تساعد على صنع المتفجرات, اودعها في انابيب معجون الحلاقة, وكاميرات وافلام مصغرة, وغيرها من لوازم تدخل في اطار عمله ومهماته. انطلق كوهين برحلته المثيرة عبر ميونيخ, واثناء سفره على متن السفينة تعرف الى رجل سوري ثري يُدعى مجدي شيخ الارض, ولكثرة ما اعجب بشخصية كامل امين تابت, قام عند الوصول الى سوريا, بنقله بسيارته من المرفأ عابراً الحواجز الجمركية من دون تفتيش لما لشيخ الارض من سطوة ونفوذ. واستأجر كامل امين تابت شقة فخمة في حي ابو رمانة, احد ارقى احياء دمشق, بمواجهة مقر قيادة الاركان السورية. ولابعاد الشبهات من حوله انشأ كامل تابت شركة استيراد وتصدير, لاقت نجاحاً باهراً منذ انطلاقتها, لما له من خبرة ودراية, وساعدته طبيعة عمله, على توثيق علاقاته وصداقاته مع كبار التجار ورجال الاعمال, وعدد من الشخصيات السياسية والعسكرية السورية. وعندما كان ينتصف الليل, كان كامل تابت يعود الى شقته يسدل الستائر, يغلق الابواب والنوافذ, ليتناول جهاز الارسال المصغّر, الذي خبأه في قدح نحاسي داخل ثريا بلورية كبيرة, ليترجم رسائله بالشيفرة, ويرسلها الى قيادته في تل ابيب, عبر هوائي الارسال الذي ركزه بين ركام هوائيات التلفزيون على سطح شقته. كان كوهين يلتقط الصور, يختزلها الى افلام مصغرة يرسلها عبر زوريخ بواسطة صديقه العميل اسرائيل زالنجر. كان كوهين يستقي معلوماته بطريقة غير مباشرة, من كبار اصدقائه السوريين, ومنهم العقيد سليم حاطوم (قائد لواء المظلات الممتاز), وجورج سيف (المسؤول عن الاذاعة في وزارة الاعلام السوري), الملازم معز زهر الدين ابن شقيق رئيس الاركان السوري عبد الكريم زهر الدين, وغيرهم... وساعد موقع شقة كوهين في منطقة السفارات في دمشق, على آداء مهمته بشكل جيد, لجهة الشيفرة التي كان يتولى ارسالها الى اسرائيل, لان المنطقة كانت تشهد باستمرار بثاً لاسلكياً نشيطاً. فلم يكن من المحتمل اكتشاف دفقات الشيفرة التي كان يبعثها كوهين. ومن المعلومات التي ارسلها كوهين الى قيادته, احتمال تعرض القوات الاسرائيلية لهجوم ما, بعدما لاحظ ان الانوار بقيت مضاءة لثلاث ليال في مقر القيادة العسكرية العامة حتى الفجر. وتأكد الموساد من صحة المعلومات عندما كانت طوابير المدرعات السورية تشق طريقها من دمشق نحو الحدود السورية - الاسرائيلية. حتى ان بن غوريون اتخذ الكثير من قراراته العسكرية والسياسية بناء على تقارير عميله ايلي كوهين. عام 1962 زار كوهين عائلته في تل ابيب, وامضى اجازة طويلة, تخللتها اجتماعات مع مسؤوليه, ثم عاد الى عمله في سوريا. وتعمقت صداقة كوهين مع جورج سيف, الذي كان مسؤولاً عن جمع الوثائق الحكومية لاغراض الدعاية. وكان سيف يقدّم مكتبه الى صديقه كامل امين تابت, لاستخدامه في اعماله التجارية واستغل كوهين هذه الصداقة, ليصوّر وثائق ومستندات خفية عن سيف الذي كان يتركها بين يديه لثقته العمياء به. وتوصل كوهين الى زيارة مرتفعات الجولان برفقة صديقه الملازم معز (ابن شقيق رئيس الاركان السوري عبد الكريم زهر الدين), وزيارة احدى المناطق العسكرية القريبة من القنيطرة, وتمكن من مشاهد مخططات مشروع تحصينات دفاعية, كما زار صديقه امين الحافظ, الذي صار رئيساً للجمهورية, وكان برفقته وزير الاعلام سامي الجندي. في آب 1963, صار كامل امين تابت حديث الساعة في سوريا, وبدا مرشحاً طبيعياً لاحد المناصب الحكومية, وتكونت لدى الرئيس امين الحافظ فكرة ثابتة, تتجلى في اعداد كامل تابت, لتولي منصب وزير دفاع. نهاية العميل السوداء بعد زيارته لاسرائيل, عاد كوهين الى دمشق لمتابعة عمله. وفي احدى ليالي كانون الثاني من العام 1965, وبينما كان مستلقياً على فراشه الى جانب جهاز الارسال اللاسلكي, ينتظر جواباً من تل ابيب, سمع طرقاً عنيفاً على باب شقته. وقبل ان يقوم بأي ردّ فعل, كان باب غرفته قد تحطم على ايدي ثمانية رجال مسلحين, شاهرين مسدساتهم الحربية, يرتدون ألبسة مدنية, على رأسهم العقيد احمد سويداني رئيس شعبة الاستخبارات المضادة, لتنتهي لعبة هذا الجاسوس الخطر. وكان سويداني قد صرح لعدد من الصحف اللبنانية, والتي اجرت معه مقابلات عن اعتقال كوهين, انه اشتبه بكامل امين تابت منذ زمن, وكان يقوم بمراقبته, وشاهد بنفسه هوائي جهاز الراديو الذي يستعمله فوق سطح شقته, وقام بالتنصت على هاتفه ورسائله. واهم عامل ادى الى افتضاح امر كوهين, تلك الشكوى التي دأب عاملو الراديو في السفارة الهندية في دمشق, والمجاورة لشقة كوهين, على رفعها الى السلطات السورية, وتؤكد وجود تشويش على ما يبثونه من رسائل بالراديو اللاسلكي الى العاصمة نيودلهي, الامر الذي دفع السلطات السورية الى البحث عن مصدر هذا التشويش. وقامت الاستخبارات السورية بعمل ذكي بقيامها بقطع التيار الكهربائي عن المنطقة لحصر مصدر هذا التشويش, الامر الذي دفع ايلي كوهين الى مواصلة بثه مستخدماً البطاريات, فكان تحديد موقع التشويش سهلاً وصائباً. وبعد القاء القبض على كوهين, تم تفتيش شقته بدقة وعثر رجال الاستخبارات المضادة السورية على جهاز الارسال, ومواد التفجير, واصابع الديناميت وآلات الكترونية كان كوهين يستخدمها في عمله. كما ان الاستخبارات المصرية ساهمت في كشف حقيقة كوهين, بعد عثورها على صورة له في ارشيفها ايام اقامته في مصر, ومشاركته في اعمال الشغب والتظاهرات, والنشاطات المشبوهة. "لقد وقعت في الاسر" وفي الايام التالية كانت المسدسات مصوبة نحو رأس كوهين, وهو ينفذ اوامر رجال الاستخبارات السورية, بتوجيه رسالة الى قيادة الموساد في تل ابيب, لتضليلها, وللكشف عن عملاء آخرين. وكان الفنيون السوريون يراقبون كوهين وهو يرسل الرسالة لكنه, وبسبب براعته في استخدام الشيفرة, تمكن من تبديل فحوى الرسالة لتصل الى مسؤوليه في تل ابيب حاملة النبأ الآتي: لقد وقعت في الاسر". وفي مقر القيادة العسكرية للواء السبعين المدرع خارج دمشق, كان كامل امين تابت, يخضع لتحقيقات مكثفة ليعترف اخيرا: "انا ايلي شاؤول كوهين... من تل ابيب... جندي في الجيش الاسرائيلي: ورافق اعتقال كوهين حملات اعتقال اخرى, شملت حوالى 500 رجل وامرأة في سوريا من بينهم مضيفات في شركات الطيران, وسكرتيرات, كما زج بالملازم معز زهر الدين وجورج سيف, ومجدي شيخ الارض, في السجن, اضافة الى عدد من النافذين, ورجال الاعمال, لشكوك حول صداقتهم الحميمة التي كانت تربطهم بكامل امين تابت. وحاولت اسرائيل انقاذ جاسوسها عبر الاتصالات التي اجرتها مع كبار الرؤساء, والشخصيات, للضغط على الرئيس السوري للعدول عن فكرة اعدام كوهين, ورفضت سوريا طلبات العفو التي وردت اليها من معظم بلدان العالم, وفي مقدمتها الفاتيكان, كما رفضت سوريا حينذاك عرض المبادلة الذي قدمته اسرائيل, والذي يقضي باطلاق سراح كوهين, مقابل الافراج عن عدد من المعتقلين السوريين في السجون الاسرائيلية, بتهمة التجسس لمصلحة سوريا. وطار محاميان فرنسيان الى دمشق لحضور المحاكمة بصفة مراقبين, وكان احدهما جاك مرسييه الذي اشتهر بدفاعه عن المعتقلين الجزائريين في السجون الفرنسية, ابان الاحتلال الفرنسي للجزائر. ومع ذلك لم تفلح الوساطات ولا التدخلات, ولا العروض الاسرائيلية, ولا تظاهرات الاحتجاج التي قادها بن غوريون شخصيا في شوارع تل ابيب, من منع صدور حكم الاعدام بحق هذا الجاسوس الخطر. الاعدام وفي 8 ايار 1965, وفي تمام الساعة الثالثة والنصف صباحا, اعدم ايلي كوهين شنقا وله من العمر 41 عاما, وسط حشد ضم الآلاف من الناس, ووسط اجراءات امنية مشددة, شاركت فيها فصائل من الجيش والشرطة وقوى الامن. هكذا انتهت اسطورة ايلي شاؤول كوهين, الذي اطلقت عليه تسميات والقاب عدة منها: "الجاسوس الشيطان", "محارب دمشق", "جاسوس العصر", "ثعلب الجواسيس".

No comments:

تابعنا على الفيس بوك